فلما أجزنا الجسر قمن وراءه ... كسرب من الغزلان ليس لها سرب

وعضت بدر الثغر فضة معصم ... يكاد يثنيه من الذهب القلب

فكادت تحط الرحل لولا عزيمتي ... وجيهية قبٌ ومهرية نجب

وقائلة أذرت مع الكحل دمعتها ... ففاض فلم يملك لسانه غرب

إلى أي أرض ترحل العيس ظاعناً ... وخلفك أفراخ بها ظمأ زغب؟

تق الله فينا لا تزدنا صبابة ... ببعد فما نلقاه من كثب حسب

فقلت ثقي بالله يا أم معمر ... فبعض الصدى ري وبعض النوى قرب

إذا ما أنخت العيس بالري سالماً ... فمشرعنا عذب ومرنقنا خصب

دعيني وطيي نحوها البيد بالسرى ... يقع طائرنا حيث يلتقط الحب

ألم تعلمي أن السما من جنابها ... تصوب عزاليه علينا فينصب

فقالت وجالت في نواحي ردائها ... دموع لها في كل ناحية غرب

فتى رستم لا تذكر البين باسمه ... فديناك إن البين أيسره صعب

إلى أن قال يعرض بذكر أولاده وأمه ويخاطب ممدوحه:

إذا سار مشتاق إليك فإنني ... برأسي أخطو بل على هامتي أحبو

وما عاقني إ بنون كأنهم ... فروخ الدبا في الجو حدثان ما دبوا

وقائلة من بعد سبعين حجة ... شفيعي إليك الضعف والسن والرب

أتترك أماً هامة اليوم أو غداً ... يضيق بها من بعدك البلد الرحب

ومنها:

سأثني بما أوليتني من صنيعة ... عليك كما يثني على المطر الشعب

وأدررت لي أضعاف ما قد مريته ... بشعري من نعماك فامتلأ القعب

وعاد إنائي من نوالك فهقاً ... يبل الثرى رشحاً وما انقطع الشخب

وأسكر أشعاري نداك فرنحت ... بشكرك في الدنيا كما رنح الشرب

ومنها:

وعم جهات الأرض فيض نواله ... فلم يخل واد من نداه ولا شعب

جواد له في كل أفق غمامة ... وفي كل أرض للندى مشرب عذب

إذا عد كعب في السماح أبت له ... يمين لها في كلّ أنملة كعب

وهي طويلة وكل أبياتها فرائد غرر رائقة، ومما يشبهها من القصائد قصيدة أبي محمد الخازن التي أولها:

بين المجرة والثريا موقفي ... فتأملي ثم اعذري أو عنفي

هو موقف حفرته أطراف القنا ... وحمته أشفار الحسام المرهف

واصطفت الأمراء حول سريره ... مثل الأهلة والنجوم الوقف

وتلألأت شرفاته عن طلعة ... يرتد عنها الطرف إن لم يخطف

ما قيل إجلالاً وتعظيماً له ... كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي

نمت ملوك بني بويه لتاجه ... خرزات ملكهم الأَغر الأشرف

وبنوا له صعداء مجد طنبت ... بشبا المهند والسنان المرهف

رمقت جبابرة الملوك يفاعها ... بنواظر من خوفه لم تطرف

من كل وضاح الجبين متوج ... علق بلثم بساطه متشرف

غت بهم عرصاته فكأنما ... غصت بهم عرصات يوم الموقف

ومنها في خطاب محبوبته وهو المعنى الذي أوردنا هذا الشعر من أجله وهو قوله:

يا هذه لو شمت برقك لم يكن ... هذا المقام محبي ومعرفي

ولقد سبقت الدهر فيه منشدا ... وكذا الجواد يبذ شأو المقرف

لم تثن عبرتك التي غيضتها ... عزمي ولا نغمات قولك لي قف

هيهات لم ينقص زماعي لؤلؤ ... أذراه نرجس طرفك المستعطف

من مبلغ سكني بنجد أنني ... قد ضقت ذرعاً بالخليل المنصف

وبلوت أطواد الزمان فلم أجد ... إلا الحسام المنتضى خلاً يفي

عرضت لألثمها بخد وردهُ ... بصفر أحمر إذا لم يقطف

فنبا مناط وشاحها عن مخطف ... طاو ومهوى قرطها عن نفنف

واستحجبت أترابها ثم انثت ... ترنو بطرف كالغزال الأهيف

فرشن عرض طريقها بغدائر ... تنجاب بين مخلق ومصفف

ورمقن من سيبي ولولا نوره ... لضللت في ظلم السباب المسدف

سيب يناسبه الربيع منوراً ... بنهاره وبهار المستظرف

لولا بياض النور لم تكن الربى ... وتلاعها إلا كقاع صفصف

كم منة مشكورة ومبرة ... عند الحدائق للغمام الأوطف

لو لم يحلّ بصوبه عطل الربى ... ما اهتز بين مدبح ومفوف

كم دوحة لفاء بين حديقة ... غناء في ظل الغمام المغدف

حتى انتهى إلى قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015