بها عهود الناس فيما بينهم، إذ الكل أمر تعالى بالوفاء به لاسيما العهود الموثقة بالإيمان، وما كان متعلقا بحقوق الناس. كحقوق النكاح، والبيع، والشراء، والإيجار، وكالأمانات مطلقا، فمن أؤتمن أمانة وجب عليه أدائها وحرم عليه إضاعتها أو خيانتها، لأمر الله تعالى بذلك كما في قوله تعالى: {ِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وفي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
ولنذكر أيها القارئ في هذا الأمر الإلهي بالوفاء بالعقود ما قاله الحسن البصري أحد سادات التابعين فقد قال: " يعنى عقود الدين "، وهى ما عقد المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة وكراء، ومناكحة وطلاق، ومزارعة، ومصالحة، وتمليك، وتخيير، وعتق، وتدبير، فقد شمل هذا القول سائر أنواع العقود والعهود ألا فلنذكر هذا ولا ننسه وأما قوله تعالى في هذا النداء: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} فإنه تذكير بالنعمة لتشكر ولا تكفر والمراد من بهيمة الأنعام هي الأزواج الثمانية: الإبل، والبقر، والغنم، وهى: ضان وماعز، والكل ذكر وأنثى.
وقوله تعالى: {إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي تحريمه منها وهو الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إذ جاء هذا في هذه السورة وبعد آيات محدودة. إذ قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أي أدركتم فيه الروح فذبحتموه، {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وهو ما ذبح لغير الله تعالى، كالذبح للأصنام والأضرحة والقبور أو الجان وما إلى ذلك.
وقوله تعالى في هذا النداء: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} هو إضافة إلى تحريم ما حرم على عباده المؤمنين من اللحوم الفاسدة المخبثة للنفس الملوثة لها؛ إذ حرم على المحرم بحج أو عمرة أن يصيد، لما في الصيد من اللهو والغفلة عن ذكر الله، وعليه فلا يحل للمحرم أن يصيد ولا أن يأكل ما صاده وهو محرم أو صاده له غيره بأمره له أو برضاه عنه. فما صاده المحرم وما صيد له هو محرم كسائر المحرمات، الأكل مما أنزل الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله، إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور. وقوله تعالى في هذا النداء العظيم: {إِنَّ