مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} إلا أن هذا التحريم معه استثناء، وهو أن يكون المؤمن في دار الكفار قائما بينهم أذن له أن يداريهم بلسانه بالكلمة الملينة للجانب، المبعدة للبغضاء بشرط أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: التقاة هي أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل، ولا يأتى مأثما ولنعلم أن هذا الاستثناء لا يبيح أبدا موالاة الكافرين، إذ هو مؤقت بحال الضعف والخوف ولم يتجاوز مداراتهم بالكلمة اللينة المبعدة لغيظهم وبغضهم، أما حبهم ونصرتهم فلا استثناء فيهما أبدا إلا أن يؤمنوا بالله ويدخلوا في الإسلام.
ولنذكر الوعيد والتهديد في الآيتين. إذ في الأولى قال تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} أي حجة واضحة على تعذيبكم بما شاء من أنواع العذاب_ وأنتم أولياؤه، فكيف لو كان النداء للمؤمنين في الظاهر وهم المنافقون، فإن الله تعالى إن لم يكفوا عن موالاة الكافرين، فإنه سينزل فيهم قرآنا ويسلط رسوله والمؤمنين عليهم فيعذبونهم ويخزنوهم ويقتلونهم أما إذا كان النداء موجها لأولياء الله المؤمنين ظاهرا وباطنا. فإنه يحذرهم من موالاة الكافرين دائما وأبدا، وفى كل الأزمنة والظروف فإن هم لم يحذروا تحذيره، ولم يرهبوا وعيده، عذبهم بما شاء، ولقد عذب المؤمنين في ديار الأندلس بتعذيبهم بأبشع أنواع العذاب إذ قتلوا وشردوا وأبعدوا عن ديارهم، وذلك بسبب موالاتهم للكافرين وطلب نصرتهم على إخوانهم ولقد عذب المؤمنين في شتى ديارهم لعدم طاعته تعالى في معاداة الكافرين، إذ تشبهوا بهم وأحبوهم وناصروهم وأخذوا بإرشادهم ونصائحهم؛ حتى أذلوهم وأهانوهم، وإلى اليوم والمسلمون، أذلاء مهانون للكافرين لعلة فسقهم عن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله، إذ أخذوا بقوانين الكافرين وحكموا بها المؤمنين حبا في الكافرين وموالاة لهم.
أما الوعيد والتحذير في الآية الثانية (آية آل عمران) فقد قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} ومعنى يحذركم نفسه أي يخوفكم عقابه وعذابه إن أنتم لم تمتثلوا أمره، ولم تجتنبوا نهيه، وذلك بموالاتكم الكافرين بعدم بغضهم، وبمناصرتكم لهم على إخوانكم المؤمنين في أي مجال من مجالات الحياة؛ إذ الذي يوالى أعداء الله قد عادى الله، وقطع حبل ولايته به، فكيف يكون حال هذا العبد الذي كان الله وليه فأصبح الله عدوه والعياذ بالله إن حاله لا تكون إلا الذل