أي حسب سنته {حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} فنهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التشبه بحال الكافرين والمنافقين الظاهرة والباطنة حتى في السلوك النفسي الخفي، كهذا الذي هو قولهم لإخوانهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، لما ينتج ذلك من الحسرة التي هي ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب، أو فقد محبوب، والله تعالى لا يحب لأوليائه وصالحي عباده المؤمنين به وبلقائه والمطيعين له، ولرسوله، لا يحب لهم ما يؤذيهم من حزن أو حسرة أو ندم، فلذا تهاهم عن التشبه بالكافرين بقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} ثم ذكرهم بقوله: {وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} ليعلمهم أن الله تعالى هو الذي بيده الحياة والموت فقد يحيى المسافر والغازي، ويميت 1 المقيم في داره وبين أهله، والقاعد عن القتال دون غيره. إذ الأمر له وهو على كل شئ قدير، فلا معنى إذا لما يردده أولئك الكافرون من قولهم: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، إلا أن يجعل الله تعالى ذلك حسرة في قلوبهم.
ألا فليحذر المؤمنون مثل هذا القول فإنه قول باطل، ويجلب الألم والحسرة والعياذ بالله تعالى، كما يحذرون كل تشبه بالكافرين في الزي والسلوك وحتى التفكير والهم بالأمور للفوارق بين المؤمنين والكافرين في الاعتقاد، والقول والعمل والصفات الظاهرة والباطنة. وختم تعالى توجيهه لعباده المؤمنين بقوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تأكيدا لنهيه لعباده المؤمنين عن التشبه بالكافرين في الظاهر والباطن لما فيه من الضرر والفساد وسوء الحال والمآل فأعلمهم أنه بصير بأعمالهم الظاهرة والباطنة ألا فليعلموا ذلك وليحذروا التشبه بأعدائهم وإلا فستحل العقوبة بهم كما حلت بغيرهم، لأن لله تعالى سننا لا تتبدل ولا تتجول…
هذا ولنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " فمن تشبه بالصالحين فهو صالح، ومن تشبه بالفاسدين فهو فاسد، لأن سنة الله تعالى في أن من رغب في شئ وطلبه بجد ورغبة حصل عليه، وفاز به، وما تشبه أحد بآخر إلا لرغبة في نفسه أن يكون مثله فهو كائن إذا لا محالة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: " من تشبه بقوم فهو منهم ".