عبادة الله تعالى التي تعبد بها عباده من أداء الفرائض والواجبات على اختلافها، فأولئك البعداء هم الخاسرون يوم القيامة بحرمانهم من الجنة ونعيمها، ووجودهم في دار العذاب حيث لا أهل ولا مال ولا ولد. كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .
وقوله تعالى لهم: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي من مال وعلم وكل خير رزقه العبد من الجاه فإنه ينفق منه في قضاء حاجات من يعجز عن قضائها إلا بالواسطة وإن كان المطلوب الأول في هذا الأمر أداء الزكاة والصدقات الواجبة كالجهاد والإنفاق المتعين كالإنفاق على الوالدين والزوجة والولد وقرى الضيف وما إلى ذلك. والحمد لله إنه تعالى لم يقل وأنفقوا ما رزقناكم بل قال مما أي من بعض ما رزقناكم فالزكاة نصابها اثنان ونصف في المائة، وفى الحبوب من عشرة أوسق أي قناطير. قنطار، إن كانت تسقى بماء العيون والمطر. أما إن كانت تسقى بالسنى والدلو، والمكائن فنصف العشر ففي عشرة قناطير نصف قنطار لا غير، وفى هذا الأمر الإلهي دليل على وجوب تعجيل إخراج الزكاة إذا وجبت وحال حولها، وكذلك سائر العبادات إذا دخل وقتها.
وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أي من قبل أن ينتهي اجله ويأتي ملك الموت ليقبض روحه وفى هذا دليل قاطع على وجوب أداء الواجبات في أوقاتها وسواء كانت زكاة أو صلاة أو حجا أو غيرها كقضاء الديون من قدر على سدادها، وذلك لعدم العلم بساعة الوفاة، والموت قد يأتى بغتة. فكم من نائم مات في نومه، وكم من مسافر مات في سفره، وكم من راكب مات في ركوبه، وكم من صحيح مرض ومات في مرضه، وقوله تعالى: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي يقول المحتضر الذي حضره الموت متمنيا على الله أن يؤخره إلى وقت يمكنه فيه أن يصدق ويؤدى الحقوق وقوله: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} هذا مفاد تمنيه وهو أن يتصدق بماله، ويكون من الصالحين بان يحج ويعتمر، ويصل الرحم ويرحم الفقراء، ويساهم في مشاريع الخير كبناء المساجد ودور اليتامى والإنفاق على الجهاد وما إلى ذلك. إلا أن هذا التمني وهذا الطلب لا يجديه شيئا أبدا، لأن حضور ملك الموت لقبض الروح لا يرده أحد إلا الله والله قد قضى وحكم فلم يبق مجال للطلب والتمنى. وإنما هذا من تمنى الحسرة والندامة، وهما لا