من الناس هو الذي لا يعطى شيئا إلا منه على من أعطاه إياه. فاحذر المن أيها المؤمن؛ فإنه مبطل لأجر الصدقة، وموجب لغضب الله تعالى.
2-الأذى لغة هو كل ما يؤذى الإنسان في دينه أو عرضه أو بدنه أو ماله، وهو هنا أي الأذى المبطل للصدقات هو التطاول على المتصدق وإذلاله بالكلمة النابية، أو التي تمس كرامته وتحط من شرفه وقدره وهو المؤمن ولى الله تعالى. والله يقول في الحديث الذي رواه البخاري " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " والمعاداة هي مولدة الأذى وأشده وأقبحه.
3-الرياء وهو أن يرى العبد عمله للناس رجاء أن يحمدوه عليه، أو يدفع به مذمتهم إذا خاف ذلك منهم، وهو في هذه الحال مراء، والرياء مبطلة للعمل مفسدة له فلا تزكوا به النفس البشرية، كالمن والأذى سواء بسواء في إبطال الصدقات لقوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} فالرياء في الصدقات مبطل لها كالمن والأذى؛ إلا أن الرياء عامة تكون في الصدقات وغيرها في سائر العبادات كالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، والحج، والعمرة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ لذا فهو أخطر من المن والأذى، وغالبا ما تكون الرياء ممن ضعف إيمانه بالله واليوم الآخر لقوله تعالى في الآية: {وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إذ المؤمن بالله واليوم الآخر لا يتعمد بطلان عمله بالمراءاة ولا بغيرها. وقوله تعالى في الآية: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍْ} والصفوان هو الحجر الأملس {عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} من المطر، وهو المطر الشديد {فَتَرَكَهُ صَلْدا} أي ليس عليه شئ؛ لأن المطر أزال التراب وبقى الصفوان أملس كما كان. وقوله تعالى: {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} أي ينتفعون به وذلك لعجزهم عن الانتفاع بصدقاتهم بعد أن أبطلها المن والأذى والرياء. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} أي إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة؛ وفى هذا إشارة إلى أن المنان والمؤذي للمؤمنين والمرائي هم قريبون من الكفر إن لم يكونوا كفارا لنعم الله، وذلك بترك شكرها وصرفها فيما يحب المنعم عز وجل.
ألا فلنحذر أيها المؤمنون كل ما يبطل صدقاتنا بأن تصبح لا تزكى أنفسنا ولا تطهرها، ونحن نعلم حكم الله تعالى في الناس أبيضهم وأسودهم، عربهم وعجمهم، وهو فوز أصحاب النفوس الزكية، وخيبة وخسران أصحاب النفوس المدساة الخبيثة التي لم تطهر بالإيمان وصالح الأعمال، إذ قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ أي ينتفعون خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} .
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين