البغضاء، والنصرة موضع الخذلان، إذ حقيقة الظلم هي وضع الشيء في غير موضعه، فالذي تجب محبته وموالاته هو الله المنعم بالخلق والرزق والتدبير للإنسان ولسائر الخلق والذي بيده كل شئ وهو قادر على كل شئ هذا الذي يجب أن يحب ويوالى، أما الذي لا يملك شيئا وهو مملوك ولا يعطى شيئا وكيف وهو معطى فكيف يحب ويوالى.
والذي تجب محبته وموالاته من الناس هو من آمن بالله وكفر بالطاغوت وهو ما عبد دون الله جل جلاله وعظم سلطانه من إنسان أو جان، من كوكب أو شجر وحجر وأحب الله تعالى ووالاه، وأحب ما يحب الله، ووالى من أحب الله ووالاه من صالحي عباده المؤمنين به وبلقائه المطيعين له ولرسوله. أما من استحب الكفر على الإيمان والشرك على التوحيد، والكافرين على المؤمنين فكيف تجوز موالاته ومناصرته. اللهم إن هذا ظلم فاضح وصاحبه ظالم لا أظلم منه. وختم تعالى إنذاره بهذا التهديد العظيم الذي لا يطاق فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهم: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي إلى التوبة والإنابة إليه، والرجوع إلى محبته وموالاته، إذ هو توغلوا في الفسق بالكفر والظلم والشر والفساد، إذ سنة الله سبحانه وتعالى أن من أدمن على شئ قل ما يتركه ويتخلى عنه، وكلمة الفاسقين دالة على التوغل في الفسق بالكفر والظلم والفجور.
هذا وإليك أيها القارئ والمستمع بعض ما يهدى إليه هذا النداء الكريم زيادة على ما علمت من شرحه وبيانه:
1-اعلم أن هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ....} الخ متضمنة حكم حرمة موالاة الكافرين ولو كانوا من أقرب الأقارب وهذا الحكم عام في أمة الإسلام إلى يوم القيامة ولا التفات إلى سبب نزولها؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
2-أن من تولى المشركين صار مشركا كما قال ابن عباس رضى الله عنهما: من تولاهم فهو مشرك مثلهم؛لأن الرضا بالشرك شرك ويستثنى من هذه المقاطعة