يقولون بل يقولون إنا عما يقوم به محمد في صمم، وفيما يذكر ويدعو إليه في عمى. إذ هم يقولون سمعنا بآذاننا وهم بقلوبهم لا يسمعون، وذلك لأنهم لا يفكرون ولا يتدبرون فلذا في سماعهم كمن لا يسمع؛ لأن العبرة في السماع الانتفاع به لا مجرد سماع الصوت كان هذا معنى قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} . أما قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} . فهو إخبار منه تعالى يخبر عباده المؤمنين بحال الكافرين ليكونوا على بصيرة في أمر دعوتهم وجهادهم ومعاملتهم يخبرهم بأنهم شر الدواب، وعلة ذلك كفرهم بربهم وشركهم به أوثانا فعبدوا غيره وضلوا عن سبيله ففسقوا وظلموا وأجرموا الأمر الذي جعلهم حقا دواب في الأرض. كان هذا تنديدا بالمشركين واليهود والكافرين والمنافقين وفى نفس الوقت هو تحذير للمؤمنين وفى كل زمان ومكان ودائما وأبدا من معصية الله ورسوله، والإعراض عن كتابه وهدى نبيه صلى الله عليه وسلم لأن الشر الذي اصبح فيه المندد بحالهم من المشركين والكافرين من اليهود والمنافقين إنما كان بسبب معصيتهم لله ورسوله والإعراض عن كتابه وهدى نبيه صلى الله عليه وسلم كان هذا معنى قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} .
أما قوله تعالى في الآية الثالثة من آيات هذا النداء الخامس والأربعين: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} . إن هذا النداء من باب الفرض والتقدير إذ سبق علم الله تعالى بهم في أنهم لا يسمعون إيثارا منهم للكفر على الإيمان والفسق على الطاعة، والضلال على الهدى. لذا لو أسمعهم أي لو جعلهم يسمعون آيات الله كما يسمعها المؤمنون الموحدون ويعرفون ما تدعو إليه من الهدى وما تحمله من بشارة للمؤمنين ونذارة للكافرين والمنافقين والمشركين. لتولوا وهم معرضون والعياذ بالله تعالى. وسر هذا الإعراض بعد السماع هو أن سنة الله تعالى في الإنسان أنه إذا توغل في الشر والفساد والظلم والخبث يصبح غير قابل للخير والإصلاح والعدل والطهر. فقد تدعوه ويسمع منك ما تدعوه إليه، وقد تبشره ويسمع منك البشارة وسببها وقد تنذره فيفهم عنك النذارة وما أنذرته منه، ولكن لتوغله في ظلمه الشر والفساد والخبث والشر يجد نفسه مصروفا تمام الصرف عما تدعوه إليه. فلذا حذر الكتاب والسنة من تأخير التوبة وأمر باستعجالها مخافة أن العبد إذا استمر في المعصية زمنا تصبح طبعا من طباعه وخلقا ثابتا له فلا يقدر على تركها فيهلك بها والعياذ