لبيك الله بعمرة أو حج فقد دخل في أعظم نسك وأكمل شعيرة من شعائر الله، فلا ينبغي له أن يغفل عنها أو ينساها، فحرم لذلك تعالى الصيد. وخص الصيد وإلا فكل لهو ولعب باطل محرم على المحرم، وإنما خص الصيد بالذكر؛ لأن المحرم قد يكون في حاجة إلى طعام فيمر به الصيد من ظبي أو أرنب أو غيرهما فتدفعه نفسه لصيده فيصيده.

وعلى كل حال فقد حرم الصيد على المحرم في الحل أو الحرم، فلا يحل لمؤمن محرم أو مؤمنة أن يصيد بأي أداة من أدوات الصيد سواء كان رمحا، أو شركا أو غير ذلك لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ثم بين تعالى جزاء من قتل الصيد فمات بقتله فقال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً} أي قتله بيده {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أي فجزاؤه أن يتصدق بحيوان يماثل ما قتله إن كان له مثل من الحيوان الإنسي فمن صاد نعامة كفر ببدنة من الإبل، ومن صاد بقرة من الوحش كفر ببقرة ومن صاد غزالا تصدق بعنز، وهكذا، وما كان لا مثل له من الحيوان الإنسي فليتصدق بقيمته غير أن هذا الحكم يجب أن يحكم به ذوا عدل من المؤمنين، فلا يترك للقاتل وحده إذ قد تحمله نفسه على عدم المماثلة وعلى نقص القيمة إذ قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ، والعدل هو المؤمن المجتنب للكبائر والمتقى في الغالب الصغائر… ولنذكر أن المخطئ كالناسي كلاهما تجب عليه الكفارة في قتل الصيد، وعلى هذا الصحابة والأئمة الثلاثة وخالفهم أبو حنيفة، ولا إلتفاتة إلى ما رآه بعد أن قال بخلاف ما قال جل الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد ورحمة الله عليهم أجمعين.

وقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أي ما حكم به العدلان من مثل ما قتل المحرم ينبغي أن يرسل إلى الحرم ليذبح هناك ويفرق لحمه على الفقراء والمساكين في الحرم لا خارجه، إذ المراد من قوله تعالى: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أنه الحرم المحيط بالكعية من جهاته الأربع المعروفة لدى المؤمنين، ولا يجوز مع القدرة أن يذبح خارج الحرم لقوله عز وجل: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وقوله تعالى: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} فهذا تخفيف ورحمة من الله بعباده المؤمنين وذلك بأن يشترى بثمن ما وجب عليه من بدنة أو بقرة أو تيس يشرى بها طعاما ويتصدق بها حيث أمكنه ذلك وقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} . وهذا تخفيف أخر ورحمة بالمؤمنين فإن من قتل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015