ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لم يُرِد النبي -عليه السلام- بما قد ذكرنا من هذه الآثار تحريم أخذ الضالة للتعريف، وإنما أراد أخذها لغير ذلك، وقد بين ما ذهبوا إليه من ذلك: ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أبي مسلم، عن الجارود أنه قال: "قد كنا أتينا رسول الله -عليه السلام- ونحن على إبل عجاف، فقلنا: يا رسول الله، إنا قد نمر بالجُرف فنجد إبلًا فنركبها، فقال: إن ضالة المسلم حَرَقُ النار".
فكان سؤالهم النبي -عليه السلام- عن أخذها لأن يركبوها، لا لأن يعرفوها، فأجابهم بأن قال: ضالة المسلم حرق النار، أي أن ضالة المسلم حكمها أن تحفظ على صاحبها حتى تؤدى إلى صاحبها، لا لأن ينتفع بها لركوب ولا لغير ذلك، فبان بذلك معنى هذا الحديث، وأن ذلك على ما قد ذكرنا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الحسن البصري، والنخعي، والثوري، وأبا حنيفة، ومالكًا، والشافعي، وأحمد، وأبا يوسف، ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: لا يحرم أخذ الضوال. وعن الشافعي في قول، وأحمد في رواية: ندب تركها، وعن الشافعي في قول: يجب رفعها.
وقال ابن حزم: قال أبو حنيفة ومالك: كلا الأمرين مباح، والأفضل أخذها. وقال الشافعي مرة: أخذها أفضل. ومرة قال: الورع تركها.
قوله: "فقالوا: لم يُرد النبي -عليه السلام-. . . ." إلى آخره، جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى بالأحاديث المذكورة؛ وهو ظاهر.
قوله: "وقد بين ما ذهبوا إليه من ذلك" أي وقد بين ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية من قولهم: لم يُرد النبي -عليه السلام- تحريم أخذ الضالة في الأحاديث المذكورة للتعريف، وإنما أراد أخذها لغير ذلك يعني للركوب ونحوه.
وقوله: "ما حدثنا إبراهيم" في محل الرفع على أنه فاعل لقوله: "وقد بَيَّن".