ص: وخالفهم في ذلك آخرون؛ فكرهوا الجعل على تعليم القرآن كما يكره الجعل على تعليم الصلاة.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عبد الله بن شقيق، والأسود بن ثعلبة، وإبراهيم النخعي، وعبد الله بن يزيد، وشريح بن الحارث القاضي، والحسن بن حي، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: يكره أخذ الأجرة على تعليم القرآن، كما يكره على تعليم الصلاة، والجامع أن كلًّا منهما عبادة يتعين على الناس إقامتها.

ص: وكان لهم من الحجة على أهل المقالة الأولى: أن الآثار الأول لم يكن الجعل المذكور فيها على تعليم القرآن، وإنما كان على الرقى التي لم يقصد بالاستئجار عليها إلى القرآن، فكذلك نقول نحن أيضًا: لا بأس بالاستئجار على الرقى والعلاجات كلها، وإن كنا نعلم أن المستأجر على ذلك قد يدخل فيما يرقي به بعض القرآن؛ لأنه ليس على الناس أن يرقي بعضهم بعضًا، فإذا استؤجروا على أن يعملوا ما ليس عليهم أن يعملوه جاز ذلك، وتعليم القرآن على الناس واجب أن يعلمه بعضهم بعضًا؛ لأن في ذلك التبليغ عن الله -عز وجل-، إلا أن مَنْ علمه منهم فقد أجزأ ذلك عن بقيتهم كالصلاة على الجنائز هي فرض على الناس جميعًا إلا أن من فعل ذلك منهم فقد أجزأ عن بقيتهم، ولو أن رجلًا استأجر رجلًا ليصلي على ولي له مات لم يجز ذلك؛ لأنه إنما استأجره على أن يفعل ما عليه أن يفعله، فلذلك تعليم الناس القرآن بعضهم بعضًا هو عليهم فرض، إلا أن من فعله منهم أجزأ فعله ذلك عن بقيتهم، فإذا استأجر بعضهم بعضًا على تعليم ذلك كانت إجارته تلك واستئجاره إياه باطلًا؛ لأنه إنما استأجره على أن يؤدي فرضًا هو عليه لله تعالى وفيما يفعله لنفسه؛ لأنه يسقط عنه الفرض بفعله إياه، والإجارات إنما تجوز وتملك بها الأبدال فيما يفعله المستأجرون للمستأجرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015