وإن كان من عند رب الأرض البقر والعمل بنفسه، ومن عند الدخيل العمل بنفسه والبذر، فهذا فاسد والزرع لصاحب الأرض، ولصاحب الأرض أجر مثله، وأجر مثل بقره، والله أعلم.
ص: وقد دل على ذلك أيضًا ما قد حكم به أصحاب رسول الله -عليه السلام- وتابعوهم من بعده، فيمن بنى في أرض قوم بغير إذنهم بناء، فروي عنهم في ذلك ما قد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: أنا حماد بن سلمة، أن عامرًا الأحول أخبرهم، عن عمرو بن شعيب: "أن عمر بن الخطاب قال في رجل بني في دار بناء، ثم جاء أهلها فاستحقوها، قال: إن كان بنى بأمرهم فله بيته، وإن كان بنى بغير إذنهم فله نقضه".
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا أبو عوانة، عن جابر الجعفي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مثله.
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا أبو عوانة، عن جابر الجعفي، عن شريح.
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: قال حماد بن سلمة: عن حميد الطويل أخبرهم: "أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - قد كتب مثل ذلك فيمن بني بدار قوم، وفيمن غرس في أرض قوم".
أفلا نرى أنهم قد جعلوا النقض لصاحب البناء، ولم يجعلوه لصاحب الأرض، فالزرع في النظر أيضًا كذلك، والذي قد حملنا عليه معنى حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - الذي رويناه في هذا الباب أولى مما حمله عليه من خالفنا؛ ليتفق ذلك وما رواه البياضي عن رسول الله -عليه السلام- ولا يتضادان، وقد روينا عن رافع بن خديج في باب "المزارعة" الذي قبل هذا الباب: "أن رسول الله -عليه السلام- قد مر بزرع له، فسأله عنه، فقال: هو زرعي، والأرض لآل فلان، والبذر من قبلي بنصف ما يخرج، فقال له رسول الله -عليه السلام-: لقد أربيت، خذ نفقتك".