وصار الاجتهاد بنفسه فهذه هي غاية درجات المجتهدين ممن يقتدى بهم في الدين، -رضي الله عنهم- أجمعين.
ص: وحجة أخرى: أن أبا طلحة - رضي الله عنه - لما أمره رسول الله -عليه السلام- أن يجعل أرضه في فقراء قرابته جعلها لحسان وأُبي، وإنما يلتقي هو وأُبي عند أبيه السابع، ويلتقي هو وحسان عند أبيه الثالث؛ لأن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، وأبا طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، فلم يقدِّم أبو طلحة في ذلك حسانًا لقرب رحمه منه على أُبي - رضي الله عنه - لبعد رحمه منه، ولم يرَ واحدًا منهما مستحقًا بقرابته منه في ذلك إلا لما يستحق منه الآخر فثبت بذلك أيضًا فساد هذا القول.
ش: أي: ودليل آخر في بطلان قول أهل المقالة الرابعة: أن أبا طلحة زيد بن سهل - رضي الله عنه -. . . . إلى آخره. وهو ظاهر.
وأشار بقوله: "فساد هذا القول" إلى القول المنسوب لأهل المقالة الرابعة.
ص: ثم رجعنا إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة - رضي الله عنه - فرأينا رسول الله -عليه السلام- لما قسم سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم جميعًا، وفيهم من رحمه منه رحم محرمة، وفيهم من رحمه منه رحم غير محرمة، وأعطى بني المطلب معهم، وأرحامهم جميعًا منه غير محرمة.
وكذلك أبو طلحة أعطى أبيًّا وحسانًا ما أعطاهما على أنهما قرابة ولم يخرجهما من قرابته ارتفاع الحرمة من رحمهما منه، فبطل بذلك أيضًا ما ذهب إليه أبو حنيفة -رحمه الله-.
ش: بطلان ما ذهب إليه أبو حنيفة في هذا الباب ظاهر؛ لأن قسمة النبي -عليه السلام- سهم ذوي القربى، وإعطاء أبي طلحة أُبيًّا وحسانًا على الوجه المذكور يفسدان ما ذهب إليه من أن القرابة هم كل ذي رحم محرم من فلان، من قبل أبيه أو من قبل أمه، غير أنه يبدأ في ذلك من كانت قرابته منه من قبل أبيه على مَن كانت قرابته من قبل أمه.