وقال ابن قتيبة في كتاب "الأشربة": حرَّم الله -عز وجل- بالكتاب الخمر، وبالسنة السُّكر، وعوضنا منها صنوف الشراب من اللبن والعسل، وحلال النبيذ، وليس في شيء مما وقع فيه الحظر والإطلاق شيء اختلف فيه الناس اختلافهم في الأشربة، وكيفية ما حل منها وما حُرِّم على قديم الأيام مع قرب العهد بالرسول -عليه السلام- وتوافر الصحابة وكثرة العلماء المأخوذ عنهم المقتدى بهم، حتى يحتاج ابن سيرين مع بارع علمه وثاقب فهمه إلى أن يسأل عَبيدة السلماني عن النبيذ، حتى يقول عَبيدة -وقد لحق خيار الصحابة وعلمائهم منهم علي وابن مسعود - رضي الله عنهما -: اختلف علينا في النبيذ. وفي رواية: "أحدث الناس أشربة كثيرة ما في شراب منذ عشرين سنة إلا لبن أو ماء أو عسل". وإن شيئًا وقع فيه الاختلاف في ذلك العصر بين أولئك الأئمة؛ لحريُّ أن يشكل على من بعدهم، وتختلف فيه آراؤهم، ويكثر فيه تنازعهم.

وقد أجمع الناس على تحريم الخمر إلا قومًا من مُجَّان أصحاب الكلام وفُساقهم ممن لا يعبأ الله بهم؛ فإنهم قالوا: ليست الخمر محرمة، وإنما نهى الله -عز وجل- عن شربها تأديبًا، كما أمر في الكتاب بأشياء ونهى فيه عن أشياء على جهة التأديب وليس منها ما هو فرض كقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (?)، وقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (?)، وكقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} (?). وقالوا: لو أراد تحريم لقال: حرمت عليكم الخمر، كما قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (?) وليس للشغل بهؤلاء وجه، ولا يستبق الكلام بالحجج عليهم معنى؛ إذ كانوا ممن لا يجعل حجة على الإجماع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015