وقال ابن حزم في "المحلى" (?): قال أبو حنيفة: لا يقطع في شيء من الفواكه الرطبة كانت في الدار أو في الشجر، في حرز كانت أو في غير حرز. وكذلك البقول كلها، وكذلك ما يسرع إليه الفساد من اللحوم والطعام كله كان في حرز أو في غير حرز، ولا قطع في الملح، ولا في التوابل، ولا في الزروع كلها.
وإذا يبس الزرع وضم إلى الأندر أو إلى البيوت وجب القطع في سرقة شيء منه إذا بلغ ما يجب فيه القطع.
وقال أبو عمر (?): ذكر أبو عوانة قال: كنت عند أبي حنيفة، فأتاه رسول صاحب الشرطة، فقال: أرسلني إليك فلان -يعني صاحب الشرطة- أتي برجل سرق وَدِيًّا من أرض قوم، فقال: إن كانت قيمة الودي عشرة دراهم فاقطعه، فقلت له: يا أبا حنيفة ثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن رافع بن خديج، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "لا قطع في ثمر ولا كثر". قال: وما تقول؟ قلت: نعم، أرسل في إثر الرسول؛ فإني أخاف أن يقطع الرجل، فقال: قد مضى الحكم؛ فقطع الرجل.
قال أبو عمر: هذا لا يصح عن أبي حنيفة؛ لأن مذهبه المشهور عنه أنه لا قطع في ثمر ولا كثر، ولا في أصل شجرة قلع، ولا في كل ما يبقى من الطعام وخشي فساده؛ لأنه عنده في معنى الثمر المعلق.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: هذا الذي حكاه رافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "لا قطع في ثمر ولا كثر" هو على الثمر والكثر المأخوذين من الحوائط التي ليست بحرز لما فيها، فأما ما كان من ذلك قد أحرز فحكمه حكم سائر الأموال، ويجب القطع على مَن سرق من ذلك المقدار الذي يجب القطع فيه.