ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عامرًا الشعبي، والزهري والثوري وعبد العزيز بن أبي سلمة وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي في قول، وأحمد وأصحابهم فإنهم قالوا: الغرة تكون للجنين، ثم يرثها من كان يرث الجنين لو كان حيًّا، مثلًا لو كان له أبوان يرث الأب الثلثين والأم الثلث، ولو كان لو إخوة وليس له أب، ترث الأم السدس والباقي بين الإخوة، للذكر مثل حظ الأنثيين.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك ما قد ذكرناه في هذه الآثار: أن رسول الله -عليه السلام- لما قضى على المحكوم عليه بالغرة قال: كيف نعقل مَن لا أكل ولا شرب ولا نطق؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فيه غرة عبد أو أمة. ولم يقل للذي سجع ذلك السجع: إنما حكمت هذا للجناية على المرأة لا في الجنين، وقد دل على ذلك أيضًا ما قد روينا فيما تقدم من هذا الكتاب: أن المضروبة ماتت بعد ذلك من الضربة، فقضى رسول الله -عليه السلام- فيها بالدية مع قضائه بالغرة، فلو كانت الغرة للمرأة المقتولة إذًا لما قضى لها بالدية، ولكن حكمها حكم امرأة ضربتها امرأة فماتت من ضربها فعليها ديتها، ولا يجب عليها للضربة أرش.
فلما حكم رسول الله -عليه السلام- مع دية المرأة بالغرة؛ ثبت بذلك أن الغرة دية للجنين لا لها، فهي موروثة عن الجنين كما يورث ماله لو كان حيًّا فمات، اتباعًا لما روي عن رسول الله -عليه السلام-.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه من أن الغرة يرثها مَن كان يرث الجنين لو كان حيًّا ومات.
والباقي كله ظاهر.
فإن قيل: الجنين لا يخلو حاله عن أمرين:
الأول: أن يكون قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة.