وقد أجمعوا أن للمرتهن حبسه حتى يستوفي الدين وحلال للراهن أخذه إذا بَرئ من الدين.

فلما كان حبس الرهن مضمنًا بحبس الدين، وسقوط حبسه مضمنًا بسقوط حبس الدين، كان كذلك أيضًا ثبوت الدين مضمنًا بثبوت الرهن، فما كان الرهن ثابتًا فالدين ثابت، وما كان الرهن غير ثابت فالدين غير ثابت.

وكذلك رأينا المبيع في قولنا وقول هذا المخالف لنا: للبائع حبسه بالثمن، ومتى ضاع في يده ضاع الثمن، فالنظر على ما اجتمعنا عليه نحن وهو من هذا: أن يكون الرهن كذلك، وأن يكون ضياعه يبطل الدين كما كان ضياع المبيع يُبطل الثمن، فهذا هو النظر في هذا الباب.

ش: أي ثم وجه النظر والقياس أيضًا في هذا الباب يدفع ما قال الشافعي وما ذهب إليه، حيث جعل الرهن أمانة يهلك بغير شيء، والحاصل أن الرهن ليس له مشابهة بالأمانات؛ لأن في الأمانة لصاحبها أن يأخذها ويحرم على المؤتمن منعه منها، والرهن ليس كذلك، ولا له مشابهة للغصب ولا للوديعة ولا للعارية لوجوه قد بينها, وليس له مشابهة إلا بالبيع، وقد أجمعوا أن المبيع إذا هلك في يد البائع هلك بالثمن، فالنظر على ذلك أن يكون الرهن كذلك، إذا هلك هلك بالدين.

هكذا هو وجه القياس في هذا الباب.

فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك، كان ينبغي لأبي حنيفة وصاحبيه أن يجروا حكم الرهن على ما يقتضيه القياس المذكور، فأجاب الطحاوي عن ذلك بقوله:

ص: غير أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا -رحمهم الله- ذهبوا في الرهن إلى ما قد رويناه في هذا الباب عن عمر بن الخطاب وإبراهيم النخعي.

واحتجوا في ذلك بما قد أجمعوا عليه في الغصب، فقالوا: رأينا الأشياء المغصوبة لا يوجب ضياعها على من غصبها أكثر من ضمان قيمتها، وغصبها حرام، وقالوا: فالأشياء المرهونة التي قد ثبت أنها مضمونة أحرى أن لا يجب بضمانها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015