وقال بعضهم: وأراد بهم: طائفة من فقهاء المدينة والكوفة يشترط القبض، حتى إنه لا ينفذ حتى يقبضها منه غير الواقف.
وممن قال بذلك: محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة، ومالك بن أنس ومحمد بن الحسن والشافعي في أصح أقواله.
ص: فاحتجنا أن ننظر في ذلك لنستخرج من ذلك القولين قولًا صحيحًا، فرأينا أشياء يفعلها العباد على ضروب:
فمنها: العتاق ينفد بالقول؛ لأن العبد إنما يزول ملك مولاه عنه إلى الله -عز وجل-.
ومنها: الهبات والصدقات لا تنفذ بالقول حتى يكون معه القبض من الذي مَلَّكها له.
فأردنا أن ننظر حكم الأوقاف بأيهما هي أشبه فنعطفه عليه؟ فرأينا الرجل إذا وقف أرضه أو داره فإنما ملك الذي أوقفها عليه منافعها ولم يملكه من رقبتها شيئًا، إنما أخرجها من ملك نفسه إلى الله -عز وجل-، فثبت أن ذلك نظير ما أخرجه من ملكه إلى الله -عز وجل-.
فلما كان ذلك لا يحتاج فيه إلى القبض مع القول؛ كان كذلك أيضًا الوقف لا يحتاج فيه إلى القبض مع القول.
ش: أشار بهذا الكلام إلى ترجيح قول من لا يشرط القبض، وَبَيَّنَ وجه الترجيع بقوله: "فرأينا أشياء. . . ." إلى آخره، وهو ظاهر.
قوله: "على ضروب" أي على أنواع وهو جمع ضرب.
قوله: "بأيهما" أي بأي الضربين "أشبه فنعطفه عليه" أي فنضمه إليه ونجعل حكمه كحكمه.
ص: وحجة أخرى: أن القبض لو أوجبناه؛ فإنما لأن القابض يقبض ما لم يملك بالوقف، فقبضه إياه وغير قبضه إياه سواء.