من ملكه لا إلى ملك مالك؛ لأنها تنتقل إلى الله تعالى، وهذا لا خلاف فيه، ولهذا نظيرٌ أحسن من هذا؛ وهو العبد المشتري لخدمة الكعبة، فإنه ملك بلا مالك، وكذا كسوة الكعبة ملك بلا مالك، ولما كان الشافعي يعترض على الحنفي بأنه لا يوجد ملك بلا مالك، كيف يقول يخرج الوقف من ملك الواقف ولا يدخل في ملك الموقوف عليه، أجاب عن ذلك بقوله: "كالذي يلزم مخالفك فيما احتججت عليه بما وصفنا" أراد به قوله: "أفتخرج الأرض بالوقف من ملك ربها لا إلى ملك مالك" حاصلة: إن ألزمتنا أنت بهذا الذي ذكرته؛ يلزمك أنت أيضًا في هذا مثله، وهو ما ذكره من قوله: "وقد اتفقت أنت وخصمك. . . ." إلى آخره، حاصله: أن ما كان جوابك في مسألة المسجد فهو جوابنا فيما سألت، فافهم.
ص: فإن قال قائل: فما معنى نهي رسول الله -عليه السلام- عن الحبس الذي رويته عنه في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -؟
قيل له: قد قال الناس في ذلك قولين:
أحدهما: القول الأول الذي ذكرناه عند روايتنا إياه.
والآخر: أن ذلك أريد به ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فكانوا يُحَبِّسون ما يجعلونه كذلك، فلا يورثونه أحدًا، فلما أنزلت سورة النساء وبين الله -عز وجل- فيها المواريث، وقسم الأموال عليها؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حبس".
ش: لما بين أن الوقف صحيح نافذ، فإن كان في الصحة فمن جميع المال، وإن كان في المرض فمن الثلث، ولا سبيل للورثة عليه، وأقام عليه دليلًا من السنة والقياس انتهض سائل فقال: إذا كان الأمر كذلك، فما يكون معنى نهيه -عليه السلام- عن الحبس الذي روي عن ابن عباس مرفوعًا، وعن شريح موقوفًا عليه؟!
فأجاب عن ذلك بقوله: "قيل له. . . ." إلى آخره، بيانه: أن العلماء أجابوا عن ذلك بجوابين: منهم من قال: إن هذا كان قبل نزول الفرائض، وقد مضى الكلام فيه.