والمعنى الصحيح في هذا الباب نفي الطيرة باسرها بقوله: "لا طيرة" وهو أشبه بأصول شريعة النبي -عليه السلام- من حديث الشؤم، ألا ترى أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تنكر حديث الشؤم وتقول: إنما حكاه رسول الله -عليه السلام- عن أهل الجاهلية وأقوالهم فيكون قوله -عليه السلام-: "إنما الشؤم في ثلاثة" بطريق الحكاية عن أهل الجاهلية؛ لأنهم كانوا يعتقدون الشؤم في هذه الثلاث، لا أن معناه أن الشؤم حاصل في هذه الثلاث في اعتقاد المسلمين. وكانت عائشة - رضي الله عنها - تتقي الطيرة ولا تعتقد منها شيئًا حتى قالت: لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال: "ما تزوجني رسول الله -عليه السلام- إلا في شوال، ولا بني بي إلا في شوال، فمن كان أحظي مني عنده؟ وكان يُستَحَبُّ أن يدخل علي نسائهن في شوال" (?).
وعن أبي حسان: "أن رجلين دخلا علي عائشة - رضي الله عنها - وقالا: إن أبا هريرة يحدث عن النبي -عليه السلام- أنه قال: إنما الطيرة في الفرس والمرأة والدار، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، ثم قالت: كذب والذي أنزل الفرقان علي من حدث عنه بهذا, ولكن رسول الله -عليه السلام- كان يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة، ثم قرأت عائشة - رضي الله عنها -: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (?) " (?).
وهنا جواب آخر: وهو أنه قد يحتمل أن يكون قوله -عليه السلام-: "الشؤم في ثلاثة" كان في أول الإِسلام؛ خبرًا عما كان تعتقد العرب في جاهليتها علي ما قالت عائشة - رضي الله عنها - ثم نسخ ذلك وأبطله القرآن والسنن , وأخبار الآحاد لا يقطع علي عينها وإنما توجب العمل فقط، وقال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا} (?) وقال {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ. . . .} (?) الآية, وما خط في