فللعلماء في ذلك قولان:
أحدهما: أن طائفة من أهل العلم ذهبت إلى تصويب قول عائشة - رضي الله عنها - في إنكارها على ابن عمر، فمنهم الشافعي وغيره.
قال أبو عمر: وهو عندي تحصيل مذهب مالك؛ لأنه ذكر حديث عائشة في "موطإه" ولم يذكر خلافه عن أحد.
قال الشافعي: أرخص في البكاء على الميت ثلاثة أيام بلا نياحة، لما في النياحة من تجديد الحزن، ومنع الصبر، وعظم الإثم، ثم قال: وقال ابن عباس: الله أضحك وأبكي. قال الشافعي: فما روته عائشة وذهبت إليه أشبه بدلالة الكتاب والسنة، واستدل بحديث أبي رمثة، وبقوله -عز وجل-: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (?)، وبقوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (?). قال: وما زيد في عذاب الكافر فباستحبابه لا بذنب غيره.
وقال: آخرون، منهم داود بن علي وأصحابه: ما روي عن عمر والمغيرة أولى من قول عائشة وروايتها، قالوا: ولا يجوز أن تدفع رواية العدل بمثل هذا الاعتراض؛ لأن مَن روى وسمع أثبت حجة علي من نفي وجهل.
قالوا: وقد صح عن النبي -عليه السلام- أنه نهي عن النياحة نهيًا مطلقًا , ولعن النائحة والمستمعة، وحرم أجرة النائحة، وقال: "ليس منا من حلق وسلق، وليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعول بدعوي الجاهلية".
قالوا: وقد قال الله [تعالى -عز وجل-] (?): {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (?)، فواجب علي كل مسلم أن يعلم أهله ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم ويأمرهم به، وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم ويوقفهم عليه ويمنعهم منه،