قلت: حاصل الكلام أن الإحفاء هو أن يأخذ من شاربه حتى يصير مثل الحلق، وأما الحلق بعينه فلم يرد، وقد كرهه بعض العلماء، فعلم من ذلك أن القص هو أن يأخذ منه شيئًا، والإحفاء أن يستأصله، وإن كان ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يحفي حتى يُرَى جلده على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
فعل هذا كل إحفاء قص، وليس كل قص إحفاء، دليل ذلك ما قاله عياض: إن هؤلاء الذين ذهبوا إلى أن القص هو المستحب ذهبوا إلى أن الإحفاء والجز والقص بمعنى واحد، وأنه الأخذ منه حتى يبدو الإطار وهو طرف الشفة.
فإن قيل: ما حكم السبلتان وهما طرفا الشارب؟
قلت: ذكر بعضهم: لا بأس بترك ذلك، فعل ذلك عمر - رضي الله عنه - وغيره، لأن ذلك لا يستر الفم ولا يبقى فيه غمر الطعام إذ لا يصل إليه.
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" (?): حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -: "كنا نؤمر أن نوفي السبال، ونأخذ من الشوارب".
قلت: السبال -بكسر السين المهملة وفتح الباء الموحدة- جمع سبلة، وهو طرف الشارب.
وقال الجوهري: السبلة الشارب.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمد بن علي بن محرز، قال: ثنا يحيى بن أبي بكير، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجز شاربه، وكان إبراهيم -عليه السلام- يجز شاربه".
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من أن الإحفاء أفضل من القص بحديث عبد الله بن عباس.
وأخرجه بإسناد صحيح: عن محمَّد بن علي بن محرز البغدادي، وثقه ابن يونس عن يحيى بن أبي بكير واسمه بشر ويقال: نسر -بالنون والسين المهملة- ويقال: