قوله: "إلى البقيع" بالباء الموحدة، وهو موضع مشهور بالمدينة، وفيه مقبرة أهلها، وفي بعض الروايات: "إلى النقيع" بالنون، وهو موضع حماه رسول الله -عليه السلام- لنعم الفيء وخيل المجاهدين، فلا يرعاه غيرها، وهو موضع قريب من المدينة، كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع.

ويستفاد منه أحكام:

الأول: أنه أصل في الورع، وفيما يلزم الإنسان اجتنابه من الشبهة والريب، ألا ترى أن رسول الله -عليه السلام- كيف تنزه عن أكل تلك الشاة.

الثاني: فيه أن إجابة الدعوة سنة، وإن كان الداعي امرأة.

الثالث: فيه تواضع النبي -عليه السلام- وحسن عشرته مع أصحابه، حيث كان يجيب الداعي سواء كان رجلاً أو امرأة.

الرابع: فيه بيان معجزته؛ فإن لحم الشاة أخبره أن شاته قد أخذت بغير إذن صاحبها.

الخامس: فيه دلالة أن الشيء المأخوذ بغير إذن صاحبه إذا استهلكه الآخذ بأن كان شاة فذبحها أو قمحا فطحنه فإنه لا يطيب له، وإن كان يملكه بالضمان فالورع والتقوى أن يتصدق به، كما أمر النبي بإطعام الشاة المذكورة للأسارى.

السادس: فيه دلالة على أن الشيء المغصوب لا يطرح، ولا يؤمر بطرحه بعد تملكه بالضمان، إذْ لو كان طرحه واجبًا لكان -عليه السلام- أمر بطرح تلك الشاة، فحيث أمر بتصدقها دل على أنها على طهارتها الأصلية.

ص: ألا ترى أن رجلاً لو غصب رجلاً شاة فذبحها وطبخ لحمها أنه لا يؤمر بطرح ذلك -في قول أحد من الناس- فكذلك لحم الحمر الأهلي المذبوحة بخيبر لو كان النبي -عليه السلام- إنما نهى عنها من أجل النهبة التي حكمها حكم الغصب، إذا لما أمرهم بطرح ذلك اللحم ولأمرهم فيه بمثل ما يؤمر به من غصب شاة فذبحها وطبخ لحمها، فلما انتفى أن يكون نهي النبي -عليه السلام- عن أكل لحم الحمر لمعنى من هذه المعاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015