وقال ابن حبيب: وتحريم النبي -عليه السلام- لابتي المدينة إنما ذلك في الصيد خاصة، وأما في قطع الشجر فيه فبريد في بريد في دور المدينة كلها، بذلك أخبرني مطرف، عن مالك، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن وهب، وقد ذكر مسلم في بعض طرقه: "إني أحرم ما بين جبليها"، وفي حديث أبي هريرة: "وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمى".
قال عياض: وهذا تفسير لما ذكره ابن وهب، ورواه مطرف، عن مالك وعمر بن عبد العزيز.
وقال المهلب: قَطْعُ النبي -عليه السلام- النخل فيها حين بنى المسجد، يدل أن النهي لا يتوجه لقطع شجرها للعمارة ووجه الإِصلاح، وأن يتخذ شجرها وشوكها ليتخذ موضعه قبابًا وعمارة وأن توجيه النهي إنما هو القطع للفساد لبهجة المدينة وخضرتها من غير الوارد عليها والمهاجر لها.
وقال القاضي: وقد ذكر ابن نافع عن مالك نحو هذا؛ قال: إنما نهى عنه لئلا تتوحش ويبقى فيها شجرها ليستأنس به، ويستظل به من هاجر إليها.
وحكى الخطابي وغيره: أن قطع الشوك غير ممنوع، لما فيه من الضرر، وقد ذكر مسلم في حديث زهير: "ولا يختلى شوكها" وقيل: بل قطعه -عليه السلام- للنخل إنما هو قطع لما غرسه الآدمي، فالنهي إنما يتوجه إلى ما أنبته الله تعالى ما لا صنع فيه لآدمي.
ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا أحمد بن أبي بكر، قال: حدثني أبو ثابت عمران بن عبد العزيز الزهري، عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث، عن صالح بن إبراهيم، عن أبيه قال: "اصطدت طيرًا بالقُنْبُلة فخرجت به في يدي فلقيني أبي -عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-- فقال: ما هذا؟ فقلت: طير اصطدته بالقنبلة. فعرك أذني عركًا شديدًا، ثم أرسله من يدي، ثم قال: حرم رسول الله -عليه السلام- صيد ما بين لابتيها".