وكذلك جابر بن عبد الله قد علم من رسول الله -عليه السلام- قصده بالنهي عن البيع قبل القبض إلى الطعام، ثم قال في الرجل يبتاع البيع فيبيعه قبل أن يقبضه قال: "أكرهه" فعمم في كلامه؛ لأن قوله: "يبتاع البيع" يتناول الطعام وغيره.
فدل هذا كله أن المراد من النهي عن البيع قبل القبض عامٌّ، يتناول الطعام وغيره، وإن كانت الأحاديث المذكورة قد عُيِّنَ فيها الطعام بالوجه الذي ذكرناه.
فإن قيل: دليل خطاب الأحاديث المذكورة في أول الباب يقتضي جواز بيع غير الطعام قبل القبض؛ لأن سائر المكيلات لو كان بيعها ممنوعًا قبل القبض لما خص الطعام بالذكر، فلما خصَّه؛ دل على أن ما عداه بخلافه.
قلت: الطعام عام في كل ما يقتات من الحنطة والشعير والتمر وغير ذلك فيتناول سائر المطعومات من المكيلات وغيرها، والطعام يطلق على غير ما يؤكل أيضًا، فإنه أطلق على ماء زمزم على ما جاء في الحديث (?) "أنها طعام طعم وشفاء سقم" ولئن سَلَّمنا أن الطعام مقتصر على ما يطعم أو على الحنطة خاصة، ولكن ما ذكرنا من حديث زيد وغيره يدل على أن تعيين الطعام في الأحاديث المذكورة ليس المراد منه تخصيصه، بل حكم غيره مثل حكمه، لأن النهي لأجل أن فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه؛ لأنه إذا هلك المعقود عليه قبل القبض بطل البيع الأول، فينفسخ الثاني؛ لأنه بناءً على الأول، وقد "نهي رسول الله -عليه السلام- عن بيع فيه غرر" رواه مسلم (?)