ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس ببيع الحنطة بالشعير متفاضلا مثلين بمثل أو أكثر من ذلك.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والشعبي والزهري وعطاء والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور؛ فإنهم قالوا: يجوز بيع الحنطة بالشعير متفاضلا، وروي ذلك عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهم- أخرج ذلك عنهم ابن أبي شيبة بأسانيد جياد (?).
ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في الحديث الذي احتجوا به عليهم أن معمرًا أخبر عن النبي -عليه السلام- أنه كان سمعه يقول: "الطعام بالطعام مثلا بمثل، ثم قال معمر: وكان طعامنا يومئذ الشعير" فيكون ذلك على الشعير بالشعير، فيجوز أن يكون النبي -عليه السلام- أراد بقوله -الذي حكاه عنه معمر- الطعام الذي كان طعامهم يومئذ، فيكون ذلك على الشعير بالشعير، فلا يكون في هذا الحديث شيء من ذكر بيع الحنطة بالشعير مما ذكر فيه عن النبي -عليه السلام- وإنما هو مذكور عن معمر من رأيه، ومن تأويله ما كان سمع من النبي -عليه السلام-، ألا ترى أنه قيل له: "فإنه ليس مثله" أي ليس من نوعه، فلم ينكر ذلك على من قاله، وكان من جوابه "أني أخشى أن يضارعه"، كأنه خاف أن يكون قول النبي -عليه السلام- الذي سمعه يقول -وهو ما ذكرنا في حديثه- على الأطعمة كلها فتوقى ذلك وتنزه عنه (*)، للريب الذي وقع في قلبه منه، فلما انتفى أن يكون في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين على صاحبه، نظرنا هل في غيره ما ينبئنا عن حكم ذلك، كيف هو؟ فاعتبرنا ذلك، فإذا علي بن شيبة قد حدثنا، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مسلم بن يسار، عن أبي الأشعث، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "أنه قام فقال: يا أيها الناس قد