وأبو داود (?): ثنا الحسن بن علي، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه".
قوله: "لا يبيع الرجل" على صورة النفي، وفي رواية مسلم وأبي داود "لا يبع" على صورة النهي، ثم قيل معناه: لا يشتري، وأما بيعه سلعته على بيع أخيه فغير منهي عنه، قال عياض: والأولى أن يكون على ظاهره، وهو أن يعرض سلعته على المشتري برخص ليذهده في شراء تلك التي ركن إليها أولاً من عند الآخر، فيشتمل عليه النهي، ويكون على ظاهره، قيل في معنى هذا الكلام قولان:
أحدهما: إذا كان المتعاقدان في مجلس العقد فطلب طالب السلعة بأكثر من الثمن ليرغب البائع في فسخ العقد، وهو محرم؛ لأنه إضرار بالغير، ولكنه منعقد؛ لأن نفس البيع غير مقصود بالنهي فإنه لا خلل فيه.
الثاني: أن يرغب المشتري في الفسخ بعرض سلعة أجود منها بمثل ثمنها أو مثلها بدون ذلك الثمن، فإنه مثل الأول في النهي، وسواء كان المتعاقدان تعاقدا على البيع أو تساوما وقاربا الانعقاد ولم يبق إلا العقد، فعلى الأول يكون البيع بمعنى الشراء، تقول: ابتعت الشيء بمعنى اشتريته، وكذلك بعت الشيء يكون بمعنى اشتريته، وهو اختيار أبي عبيد في قوله -عليه السلام-: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه"، وعلى الثاني يكون البيع على ظاهره.
قوله: "ولا يخطبُ" بضم الباء لأنه عطف على "لا يبيع" المنفي، وأما في رواية مسلم وأبي داود فينبغي أن يكون مجزومًا؛ لأنه عطف على المجزوم، والمعنى فيه: أن الخاطب إذا ركن إليه وقرب أمره ومالت النفوس بعضها إلى بعض في ذلك، وذكر الصداق ونحو ذلك لم تجز حينئذ الخطبة لأحد على رجل قد تناهت حاله وبلغت ما وصفنا, ولم يختلف العلماء في أنه إذا لم يكن ركون ولا رضيً أن النكاح جائز،