حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا أبو عوانة، عن يزيد بن أبي زياد، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا بشر، قال: ثنا أبو ريحانة، عن سفينة مولى أم سلمة - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يغسله الصاع من الماء ويوضيه المد".
ففي هذه الآثار: أن رسول الله - عليه السلام - كان يغتسل بصاع وليس فيه مقدار وزن الصاع كم هو؟ وفي حديث مجاهد عن عائشة: ذكر ما كان يغتسل به وهو ثمانية أرطال.
وفي حديث عروة عن عائشة أنها كانت تغتسل هي ورسول الله - عليه السلام - من إناء هو الفَرَق. ففي هذا الحديث ذكر ما كانا يغتسلان منه خاصةً، وليس فيه ذكر مقدار الماء الذي كانا يغتسلان به، وفي الآثار الأُخر ذكر مقدار الماء الذي كان يغتسل به، وأنه
كان صاعًا.
فثبت بذلك لما صححت هذه الآثار وجُمعت وكشفت معانيها، أنه كان يغتسل من إناء هو الفَرَق، وبصاع وزنه ثمانية أرطال، فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة، وقد قال بذلك أيضًا محمَّد بن الحسن.
ش: أي: وكان من الحجة والبرهان عليهم، أي على أهل المقالة الثانية لأهل المقالة الأولى، وأراد بذلك الجواب عما استدلوا به، بيان ذلك: أن حديث عروة عن عائشة ليس فيه إلا ذكر الفَرَق الذي كان النبي - عليه السلام - وعائشة يغتسلان منه، ولم يذكر
فيه مقدار الماء الذي كان فيه، هل كان ملء الفرق أو أقل منه؟ فهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكونا قد اغتسلا منه وهو ملآن.
والآخر: أن يكونا قد اغتسلا منه بأقل من ملئه بما هو صاعان فيكون كل واحد منهما مغتسلا بصاع من ماء، فحينئذٍ يكون معنى هذا الحديث موافقًا لمعاني الأحاديث الأُخَر التي فيها أنه كان يغتسل بصاع، فإنه روي ذلك في حديث عائشة أيضًا وحديث أنس وحديث جابر بن عبد الله وحديث سفينة مولى النبي - عليه السلام - على ما نذكره، وقد ذكر في أحاديثهم أنه - عليه السلام - كان يغتسل بصاع، ولكن لم يبين فيها