وأما الجواب عن حديث مالك فما ذكره الطحاوي في "مشكل الآثار" أن قوله - عليه السلام -: "من المسلمين" يعني: مَن يلزمه إخراج الزكاة عن نفسه وعن غيره ولا يكون إلا مسلمًا، وأما العبد فلا يلزمه في نفسه زكاة الفطر وإنما يلزم مولاه المسلم عنه، ألا ترى إلى إجماع العلماء في العبد يُعتق قبل أن يؤدي مولاه عنه زكاة الفطر أنه لا يلزمه إذا ملك بعد ذلك مالًا إخراجها عن نفسه، كما يلزمه إخراج كفارة ما حنث فيه من الأيمان، وأنه عبد، وأنه لا يكفرها بصيام، ولو لزمته صدقة الفطر لأداها عن نفسه.
قلت: التحقيق في هذا المقام أن في صدقة الفطر نصَّين:
أحدهما: جعل الرأس المطلق سببًا، وهو الرواية التي ليس فيها "من المسلمين".
والنص الآخر: جعل رأس المسلم سببًا، ولا تنافي في الأسباب؛ إذ يجوز أن يكون لشيء واحد أسباب متعددة شرعًا وحِسًّا على سبيل البدل، كالملك يثبت بالشراء والهبة والوصية والصدقة والإرث، فإذا امتنعت المزاحمة وجب الجمع بإجراء كل واحد من المطلق والمقيد على سببه من غير حمل أحدهما على الآخر، فيجب أداء صدقة الفطر عن العبد الكافر بالنص المطلق، وعن المسلم بالمقيد.
فإن قيل: إذا لم يحمل المطلق على المقيد أدى إلى إلغاء المقيد، فإن حكمه يفهم من المطلق، فإن حكم العبد المسلم يستفاد من إطلاق اسم العبد، فلم يبق لذكر المقيد فائدة.
قلت: ليس كذلك، بل فيه فوائد وهي أن يكون المقيد دليلًا على الاستحباب والفضل، أو على أنه عزيمة، والمطلق رخصة، أو على أنه أهم وأشرف حيث نص عليه بعد دخوله تحت الاسم المطلق كتخصيص الصلاة الوسطى وجبريل وميكائيل بعد دخولها في مطلق الصلوات، ودخولهما في مطلق اسم الملائكة ومتى أمكن العمل بهما، واحتمال الفائدة قائم، لا يجوز إبطال صفة الإطلاق.
ص: ثم قد روى في غير هذه الآثار التي ذكرنا عن النبي - عليه السلام - ما يوافق ذلك أيضًا، فمن ذلك: ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا حماد بن زيد،