أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه صلةً فتكون له.
والآخر: أن يمنحه ناقةً أو شاةً فينتفع بلبنها ووبرها زمانًا ثم يردها، وهو تأويل قوله في بعض الأحاديث: "المنحة مردودة" (?). والمنحة تكون في الأرض يمنحها الرجل أخاه ليزرعها، ومنحة الورق هي القرض.
قال الفراء: يقال: منحته أمنحُه وأمنِحَه.
وقال ابن دريد: أصل المنحة أن يعطي الرجل رجلًا ناقةً فيشرب لبنها أو شاةً، ثم صارت كل عطية منحة.
وقال غيره: ومنيحة اللبن أن يجعلها الرجل لآخر سنةً.
قوله: "وجلبها على الماء" قيل: معناه أن يقربها للمصدّق وييسر ذلك عليه بإحضارها على الماء ليسهل عليه تناول أخذ الزكاة منها، وهو بسكون اللام؛ لأنه مصدر من جلب يجلب جلْبًا. ويقال: كانت هذه الأشياء قبل فرض الزكاة ثم نسخت، ويقال: هذه في موضع تتعين فيه المواساة.
ص: وأما ما احتجوا به مما رويناه عن عمر - رضي الله عنه - فلا حجة لهم فيه أيضًا عندنا؛ لأن عمر - رضي الله عنه - لم يأخذ ذلك منهم على أنه واجب عليهم، وقد بيَّن السبب -الذي من أجله أخذ ذلك منهم عمر بن الخطاب- حارثة بن مضرّب.
حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن القاسم -المعروف بسحيم- الحراني، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرّب، قال: "حججت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فأتاه أشراف من أشراف أهل الشام فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قد أصبنا دواب وأموالًا، فخذ من أموالنا صدقةً تطهرنا بها، وتكون لنا زكاةً. فقال: هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قَبلي، ولكن انتظروا حتى أسال المسلمين، فسأل أصحاب رسول الله - عليه السلام - فيهم علي بن أبي طالب، فقالوا: