يحل له ذلك إذا كان عاملًا مع كون الصدقة حرامًا عليه؛ لأنه إنما يأ خذ حينئذٍ على عمله وتفرغه لذلك، فكذلك الهاشمي.

قوله: "كان كذلك أيضًا في النظر ... إلى آخره" لقائل أن يقول: هذا القياس ليس بصحيح؛ لأن الغني إذا عاملًا يكون متفرغًا لذلك صارفًا نفسه وحابسها لأجل ذلك، فيستحق الجُعالة في مقابلة هذا الفعل، وذلك في الحقيقة يكون لحاجته إلى ذلك فيصير كابن السبيل تباح له الصدقة وإن كان غنيًّا، بخلاف الهاشمي فإنه إنما تحرم عليه الصدقة لكونها أوساخ الناس، ولأجل لحوق الذلة والهوان بشرف نسبه، فهذا المعنى موجود دائمًا سواء كان الذي يأخذه من الصدقة على وجه الاعتمال والاجتعال أو غير ذلك، فافهم.

ص: وقد روي عن النبي - عليه السلام - فيما تصدق به على بريرة أنه أكل منه وقال: هو عليا صدقة ولنا هدية.

حدثنا بذلك فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: "دخل عليّ النبي - عليه السلام - وفي البيت رجل شاة معلقة، فقال: ما هذه؟ فقلت: تُصُدق به على بريرة فأهدته لنا، فقال: هو عليها صدقة وهو لنا هدية، ثم أمر بها فسويت".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن ربيعة بن عبد الرحمن، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخل رسول الله - عليه السلام - والبرمة تفور بلحمٍ، فقرب إليه خبز وأدمٌ من أدم البيت، فقال رسول الله - عليه السلام -: ألم أرَ برمةً فيها لحم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكن ذاك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة. فقال رسول الله - عليه السلام -: هو صدقة عليها وهو لنا هدية".

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن ربيعة ... فذكر بإسناده مثله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015