ولأن أول ما نزل من القرآن سورة {اقْرَأْ}، وقيل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، وليس في ابتدائهما حمد الله.

وفيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

الرابع: أنه إنما ترك التحميد؛ لأن حديث الافتتاح بالتحميد منسوخ بأنه - عليه السلام - لما صالح قريشًا عام الُحديبية كتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه محمَّد رسول الله - عليه السلام - سُهَيل بن عمرو. فلولا نسخه لما تركه.

وفيه نظر أيضًا؛ لأن لقائل أن يقول: أي دليل دلّنا على النسخ؟ فلِمَ لا يجوز أن يكون الترك لبيان الجواز؟! بل الظاهر هذا؛ لأن الحث على التحميد للاستحباب لا للوجوب؛ لأن الحث عليه إنما هو لمنفعة العباد، حتى يصير فعلُهم وقولُهم تامًّا ذا نظام، ولا يقع أبتر مقطوع البركة.

فلو كان الحث عليه للوجوب للزم عود الأمر على موضوعه بالنقض.

واعلم أن هذا السؤال يَرِدُ على البخاري أيضًا؛ حيث شرع في "صحيحه" بعد البسملة بغير ذكر الحمدلة، فالجواب هو الجواب.

ثم الكلام في البسملة؛ فالباء فيها تتعلق بمحذوف تقديره: بسم الله أشرع، كما أن المسافر إذا حلّ أو ارتحل فقال: بسم الله والبركات، كان المعنى: بسم الله أحل، وبسم الله أرتحل. وكل فاعل يبدأ في فعله ببسم الله كان مضمرًا ما جعل التسمية مبدأ له.

وقال الزمخشري في هذا المقام: فإن قلت: لم قدرت المحذوف متأخرًا؟.

قلت: لأن الأهم من الفعل والمتعلق، هو المتعلق به؛ لأنهم كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم، فيقولون: باسم اللات، باسم العُزَّي، فوجب أن يقصد المُوحِّد معنى اختصاص اسم الله -عزَّ وعلا- بالابتداء، وذلك بتقديمه وتأخير الفعل، كما فُعل في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (?)؛ حيث صرَّح بتقديم الاسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015