ناعم بن أُجَيْل مولى أم سلمة - رضي الله عنها - قال: "كنت أَدخُل المسجد لصلاة المغرب فأرى رجالًا من أصحاب رسول الله - عليه السلام - جلوسًا في آخر المسجد والناس يصلون فيه؛ قد صلوا في بيوتهم".
فهؤلاء من أصحاب النبي - عليه السلام - كانوا لا يصلون المغرب في المسجد لما كانوا قد صلّوها في بيوتهم ولا ينكر ذلك عليهم غيرهم من أصحاب النبي - عليه السلام - أيضًا؛ فذلك دليل عندنا على نسخ ما قد كان تقدمه من قول النبي - عليه السلام -؛ لأنه لا يجوز أن يكون مثل ذلك من قول رسول الله - عليه السلام - قد ذهب عليهم جميعًا حتى يكونوا على خلافه، ولكن كان ذلك منهم لما قد ثبت عندهم فيه نسخ ذلك القول.
ش: أي قد روي فيما ذكرنا من انتساخ الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه عن جماعة من التابعين منهم ما رواه مولى أم سلمة ناعم بن أُجَيْل الهمداني المصري أبي عبد الله روى له مسلم والنسائي.
أخرجه الطحاوي: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن يوسف التنيسي المصري شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة المصري، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري روى له الجماعة، عن ناعم المذكور أنه قال: "كنت أدخل المسجد".
فقد أخبر في حديثه هذا أن جماعة من الصحابة كانوا لا يصلون المغرب في المسجد لأجل كونهم قد صلوها في بيوتهم، ولم ينكر عليهم ذلك غيرهم من الصحابة؛ فهذا دليل على نسخ أحاديث أهل المقالة الأولى؛ لأنه لا يجوز أن تفوت عنهم هذه الأحاديث ثم يعملون بخلافها وإنما كان ذلك منهم لأجل ما قد ثبت عندهم انتساخ الأحاديث المذكورة.
فإن قيل: كيف يُستدل بهذا الحديث وفي سنده ابن لهيعة وفيه مقال؟
قلت: قد بينت لك غير مرة أن أحمد والطحاوي وآخرين قد وثقوه، ولئن سلمنا تضعيفه ولكن إنما ذكر حديثه متابعَّاَ ومؤيدًا لما ذكره من الحديث المجمع على صحته.