أبيه في ذلك: "أن النبي - عليه السلام - كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن" لم نجد له معنى، وقد نقلت العامة عن أبيه، وعن غيره، عن عائشة بخلاف ذلك؛ فما روته العامة أولى مما رواه هو وحده وانفرد به.
ش: ذكر هذا الحديث أيضًا لبيان حقيقة الوتر، وأنه ثلاث ركعات، بيان ذلك: أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - عليه السلام - يوتر بأربع وثلاث، ثمان وثلاث، وعشر وثلاث" فقد ذكرت فيه ما كان يصليه - عليه السلام - في الليل من التطوع، وسمَّت الجميع وترًا على إطلاق اسم الجزء على الكل؛ لأن الكل ليس بوتر وإنما الوتر منه ثلاث ركعات؛ ولهذا فصلت بين الثلاث والأربع، والثلاث والثمان، والثلاث والعشر، ولو لم يكن معنى الثلاث مباينًا لمعنى ما كان قبله لما فصلت بهذا التفصيل، فثبت بذلك أن الوتر هو الثلاث.
ودلَّ ذلك أيضًا على أن معنى حديث الأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، يحيى بن الجزار كذلك، وقد مرَّ فيما مضى أحاديثهم أن النبي - عليه السلام - كان يوتر بتسع، فيكون معناه على معنى الحديث المذكور: "كان يوتر بستٍّ وثلاث" فتكون الثلاث وترًا، وما قبله من الستّ نفلًا.
ثم الذي يفهم من حديث عائشة - رضي الله عنها - شيئان:
الأول: أن الثلاث الذي هو وتر يمتاز عما ذكر قبله من الأربع والثمان والعشر.
والثاثى: أنها أطلقت على الكل وترًا؛ لأنها كانت تكره أن تجعل الوتر ثلاثًا من غير أن يتقدمهن شيء، فلهذا قالت من قولها: "الوتر سبع أو خمس، والثلاث بتراء" أي الوتر سبع ركعات، أو خمس ركعات، ولكن المراد أن الثلاث منه هو الوتر وما قبله -من الأربع في السبع، ومن الركعتين في الخمس- نفل وتطوع، وكان الأحسن عندها في الوتر أن يكون قد تقدمه شيء من التطوع، فلذلك قالت: "الثلاث بتراء" أي الثلاث ركعات التي لا يتقدمهن شيء من التطوع بتراء وإن كانت هي وترًا, ولذلك المعنى أيضًا جمعت تطوع النبي - عليه السلام - مع وتره وأطلقت على الكل وترًا حيث قالت: