{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (?) وفوضوا كيفيتها إلى الله -عز وجل- ولم يُعْمِلوا العقل في ذلك بل آمنوا وكَفُّوا، وهذا هو اعتقاد أهل العلم المبرزين وأهل الحديث خاصة؛ تبعًا لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -وقال به مَنْ بعده من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون وتابعوهم، ولذا نجد الإِمام ابن خزيمة يقول في كتابه "التوحيد" (1/ 26): فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا: أنا نثبت لله ما أثبته لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه ربنا بوجه أحد من المخلوقين، وعز ربنا أن نشبهه بالمخلوقين وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز عن أن يكون عدمًا كما قاله المبطلون. انتهى.
ونحن مع ذلك نعذر من تلبس من علمائنا ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذَل وسعه، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع حسن قصده وتوخيه اتباع الحق أهدرناه وتركنا ما برع فيه من العلوم الأخرى لقلَّ مَنْ يسلم لنا من الأئمة، فرحم الله الجميع بمنه وكرمه، وعفا عنا وعنهم.
لا شك أن هذا التراث الذي خلفه لنا البدر يعطي فكرة واضحة عن المكانة العلمية التي كانت له في عصره، ولقد أثنى عليه كثير من العلماء، فقال العلامة أبو المعالي الحسيني في كتابه "غاية الأماني":
شيخ العصر، وأستاذ الدهر، ومحدث زمانه المتفرد بالرواية والدراية.
وقال الشيخ أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي في "المنهل الصافي":
كان بارعًا في عدة علوم، مفتيًا كثير الاطلاع، واسع الباع في المعقول والمنقول، لا يستنقصه إلا متغرِّض، قل أن يذُكر علم إلا له فيه مشاركة جيدة.