ص: فكان من حجة الآخرين عليهم أنه قد روي في هذا الحديث النهي عن الصلاة عند غروب الشمس وروى في غيره: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". فكان في ذلك إباحة الدخول في العصر في ذلك الوقت، فجعل النهي في الحديث الأول على غير الذي أبيح في الحديث الآخر حتى لا يتضاد الحديثان، فهذا أولى ما حملت عليه هذه الآثار حتى لا تتضاد.
ش: هذا جواب من قبل أبي حنيفة ومن معه عما قال أولئك القوم من الاستدلال بالآثار المذكورة على أن وقت الغروب ليس بوقت للعصر، أي فكان من الدليل والبرهان للجماعة الآخر -وهم أبو حنيفة ومن تبعه- عليهم أي على القوم الذين ذهبوا إلى أن آخر وقت العصر إلى تغير الشمس، بيان ذلك: أن هذه الآثار تقتضي النهي عن الصلاة عند غروب الشمس الذي يلزم منه أن لا يكون هذا الوقت صالحًا للعصر كما ذكرتم، ولكن روي في غيرها ما يدل على أن وقت الغروب وقت للعصر وهو قوله - عليه السلام -: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" فإنه يقتضي أن يكون وقت الغروب وقتًا لصلاة العصر.
فهذا كما ترى بينهما تضاد، فإذا حملنا النهي في الآثار الأول على غير الذي أبيح في هذا الحديث، أعني قوله - عليه السلام -: "من أدرك ركعة من العصر" يندفع التضاد.
حاصله: أن تلك الأحاديث تكون مخصوصة بهذا الحديث، فيكون وقت الغروب وقتًا للعصر فقط دون غيره من الصلوات.
ص: وأما وجه النظر عندنا في ذلك -والله أعلم- فإنا رأينا وقت الظهر الصلوات كلها فيه مباحة، التطوع كله، وقضاء كل صلاة فائته وكذلك ما اتفق عليه أنه وقت العصر ووقت الصبح مباح قضاء الصلوات الفائتات فيه، وإنما نهي عن التطوع خاصة فيه، فكان كل وقت قد اتفق عليه أنه وقت الصلاة من هذه الصلوات كل قد أجمع أن الصلاة الفائتة تقضي فيه، فلما ثبت أن هذه صفة أوقات الصلوات المجمع عليها، وثبت أن غروب الشمس لا تقضى فيه صلاة