تتحصل له الركعة، وذهب داود وأصحابه في أخرى: أن الحديث في إدراك الوقت؛ فجعلوه بمعنى الحديث الآخر: "من أدرك ركعة من الوقت قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح". وهما حديثان في شيئين لهما حكمان، وفيهما دليل على أن من لم يدرك ركعة فليس بمدرك لفضل تلك الصلاة ولا حكمها مما لزم إمامه من سجود سهو أو انتقال فرضه من اثنتين إلى أربع في الجمعة، أو انتقاله إلى حكم نفسه إن اختلف حالهما من السفر والإقامة، وهذا قول مالك والشافعي -في أحد قوليه- وعامة فقهاء الفتيا وأئمة الحديث.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأصحابهما والشافعي أيضًا: أنه بالإحرام يكون مدركًا حكم الصلاة، واتفق هؤلاء على إدراكهم العصر بتكبيرة قبل غروب الشمس، واختلفوا في الظهر، فعند الشافعي -في أحد قوليه-: هو مدرك بالتكبيرة لهما لاشتراكهما في الوقت، وعنه: أنه بتمام القائمة للظهر يكون قاضيًا لها، وهذا الإدراك يكون لمعنيين:
أحدهما: أن يكون لمن أخر الصلاة وهو مدرك للأداء بإدراك ركعة، وليس يكون قاضيًا بصلاته بعضها بعد وقتها كمدرك ركعة في صلاة الإِمام، فله في جميعها حكم الإتمام، وقد يحمل الحديث على من كان بصفة المكلفين في هذا الحين فأدرك وجوب الصلاة أو حكمًا من أحكامها في هذا الوقت، فهو مدرك له، وهذا قول مالك وأصحابه في معنى الحديث، وهو الذي عبروا عنهم بأصحاب الأعذار، وذلك: الكافر يسلم، والصغير يبلغ، والحائض تطهير، والمغمى عليه يفيق، والمسافر يقدم ويرحل.
وهذه الركعة التي يكون بها مدركًا للأداء والوجوب في الوقت هو قدر ما يكبر فيه للإحرام وقراءة أم القرآن بقراءة معتدلة، ويركع ويرفع، ويسجد سجدتين، ويفصل بينهما، ويطمئن في كل ذلك على من أوجب الطمأنينة، فهذا أقل ما يكون به مدركًا.