والذي يظهر لي أن الإسلام ترك النص على هذا الجانب لأن حاجة المجتمع إلى هذه الأعمال المختلفة تدفع الناس إلى القيام بها، لأنهم يجدون مرغبات لذلك، فإذا قل العاملون في جانب ما كثر الطلب عليه، ودفع الناس في سبيل ذلك مالًا كثيرًا، وبذلك يقبل الناس على العمل في هذا المجال، وتسد الحاجة فيه.
فإن لم يقم المجتمع بتنظيم نفسه بنفسه في هذا وجب على أولياء الأمور توجيه الناس لسدِّ جوانب النقص في مجتمعاتهم.
وجه الإسلام العاملين إلى القيام بالأعمال المناطة بهم على أتم وجه وأكمله، وإتقان العمل في الإسلام يسمى الإحسان، وقد كتب الله الإحسان على كل شيء، ففي الحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته"، ولا فرق في هذا بين إحسان العبادة، وإحسان العمل الدنيوي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [سورة الملك: 1 - 2].
فإذا أتقن الأجر أو الموظف العمل الموكول إليه، أحسن فيه فقد قضى ما عليه، ويبقى حقَّه على صاحب العمل.
وحقَّه على صاحب العمل أن لا يكلفه فوق طاقته، وأن يؤدي إليه أجره كاملًا غير منقوص، وقد نهانا الله عن أن نبخس الناس أشياءهم كما أمرنا بالوفاء بالعقود {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [سورة الشعراء: 183].