والتحاكم إلى شريعته، والتصديق بما جاء من عنده - فإنها ثقافة سويّة صالحة، وإلَّا فإنها ثقافة جاهلية ضالة، وكلّ الأمم التي رفضت دعوة الرسل على اختلاف مناهجها ثقافها ضالة منحرفة {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
وقد جاءت الرسل لإصلاح الحياة الإنسانية وتقويمها وتطهيرها، ولا يجوز لأحد أنه يدعي أن ثقافات الأمم متساوية، وهي بذلك غير قابلة للنقد والتقويم، وقد خلط الإعلان النهائي للمؤتمر العالمي الثاني للثقافة الذي نظمته اليونسكو عام 1982 م في المكسيك حقًّا بباطل عندما قال: "إن لكل ثقافة قيمها، وإن تأكيد الذاتية الثقافية يسهم في تحرير الشعوب، ويزيد من ازدهار الجنس البشري، وإن جميع الثقافات جزء لا يتجزأ من التواث المشترك للإنسانية، وإن كل الثقافات متساوية في إطار الكرامة، وإنه لا بدَّ من الاعتراف لكل شعب، ولكل مجتمع ثقافي بحقه في تأكيد ذاتيته الثقافية، وفي صونها، وفي كفالة الاحترام الواجب لها" (?).
والباطل الذي ورد في هذا الإعلان أن الثقافات متساوية، ووجوب الاعتراف لكل مجتمع ثقافي بحقه في تأكيد ذاتيته الثقافية .. ، وهذا القول قد يكون صوابًا في ثقافات الأمم النابعة من عاداتها وتقاليدها .. ، ، فليس من حق أمّة أن تفرض على أمة أخرى ثقافتها، لأن ثقافات الأمم في هذه الحال متساوية، ولكن الحال يختلف إذا كانت ثقافة الأمّة نابعة من دين إلهي سماوي منزل من عند العليم الحكيم، فيكون التسوية بين هذه الثقافة الصالحة، والثقافات الجاهلية تسوية ظالمة {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيفَ تَحْكُمُونَ (36)} [سورة: القلم 35 - 36].