أصابه، وجعل له ضعف، فليس بملوم، كمن سمع القرآن سماعًا شرعيًا، ولم يفرط بترك ما وجب له من ذلك. ا. هـ.
وقال ابن القيم في المدارج (?) ما نصه: وليس أيضا هذه الحال بلازمة لجميع السالكين، بل هي عارضة لبعضهم، منهم من يبتلى بها، كأبي يزيد وأمثاله، ومنهم من لا يبتلى بها، وهم أكمل وأقوى، فإن الصحابة - رضي الله عنهم -، وهم سادات العارفين، وأئمة الواصلين المقربين، وقدوة السالكين، لم يكن منهم من ابتلي بذلك، مع قوة إرادتهم، وكثرة منازلاتهم، ومعاينة ما لم يعاينه غيرهم، ولا شم له رائحة، ولم يخطر على قلبه، فلو كان هذا الفناء كمالًا لكانوا هم أحق به وأهله، وكان لهم منه ما لم يكن لغيرهم.
ولا كان هذا أيضًا لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولا حالًا من أحواله، - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا في ليلة المعراج لما أسري به، وعاين ما عاين مما أراه الله إياه من آياته الكبرى، لم تعرض له هذه الحال، بل كان كما وصفه الله - عز وجل - بقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 17، 18]. وقال {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]. وقال ابن عباس: هي رؤيا عين، أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به، ومع هذا فأصبح بينهم لم يتغير عليه حاله، ولم يعرض له صعق ولا غشي، يخبرهم عن تفصيل ما رأى، غير فانٍ عن نفسه، ولا عن شهوده، ولهذا كانت حاله أكمل من حال موسى بن عمران - رضي الله عنه - لما خر صعقا حين تجلى ربه للجبل وجعله دكًا. ا. هـ.