فكيف يكون معناهما واحداً ومواطنهما مختلفة هذه تستعمل في الخير والشر.
وهذه لا تستعمل إلا في الخير، وإحداهما تقتضي مفعولاً وهو المدعو، والثانية لا تقتضي مفعولًا ولا تطلبه وهي (صليت) ، وإحداهما موصولة باللام إذا كانت في الخير وموصولة بعلى إذا كانت في الشر، والأخرى موصولة بعلى ولا تكون إلا في الخير كما تقدم، فأي تباين في المعنى أعظم من هذا لمن أنصف.
* * *
والجواب عن هذه التساؤلات كلها وبالله التوفيق، وهو المستعان على سلوك
سبيل التحقيق، أن نقول: الصلاة كلها - وإن توهم اختلاف معانيها - راجعة في المعنى " والاشتقاق إلى أصل واحد، فلا تظنها لفظة اشتراك ولا استعارة إنما معناها كلها الحنو والعطف، إلا أن الحنو والعطف يكون محسوساً ومعقولاً، فيضاف إلى الله - تعالى - منه ما يليق بجلاله، وينفي عنه ما يتقدس عنه، كما أن العلو " محسوس ومعقول، فالمحسوس منه صلة الأجسام والأجرام، والمعقول منه صفة ذي الجلال والإكرام وهذا المعنى كثير موجود في الصفات وغيرها، ألا ترى أن الكبير يكون صفة للمحسوسات وصفة للمعقولات، وهو من أسماء الله عز وجل، وقد
تقدس - سبحانه - عن مضاهاة الأجسام، وتنزه عن إدراك الأوهام ومشابهة الأنام، فجميع ما يضاف إليه من هذه المعاني معقولة محسوسة.
وهذا واضح لا خفاء به.
وإذا ثبت هذا فالصلاة - كما قلنا - حنو وعطف، من قولك:
" صليت " أي: حنيت صلاك وعطفته، فأخلق بأن تكون الرحمة صلاة أيضاً (كما) تسمى عطفاً وحنواً، تقول: " اللهم اعطف علينا "، أي: ارحمنا، قال الشاعر:
وما زلت في ليني له وتعطفي ... عليه كما تحنو على الولد الأم
أي: ترحمه وتعطف عليه.
ورحمة العباد: رقة في القلب إذا وجدها الراحم
من نفسه انعطف على المرحوم وانثنى عليه، ورحمة الله للعباد: جود (منه)
وفضل، فإذا صلى عليه فقد أفضل عليه وأنعم.
وكل هذه الأفعال - كانت من الله عز وجل، أو من العبد - فهي متعدية بعلى