التسبيح لغير الله، ولا أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يذكر غير الله. وهذه الحجة لمن تأملها عليهم لا
لهم، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أشد الناس امتثالًا لأوامر ربه، فلو فهم منها الذي قالوه لقال في تسبيحه: (سبحان اسم ربي) ولم يقل ذلك قط، ولا روي عنه، على كثرة تسبيحه لمولاه - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أقرب ما يعارضون به إجماع الأمة على أن لا يقول أحد: اسم الله أكبر، يريد: الله أكبر، ولا يقول أحد: سجدت لاسم ربي، ولا خفت اسم ربي، ولا: يا اسم الله، ارحمني، فدل ذلك كله على أن الاسترحام والاستعطاف والسجود والخوف لا تعلق له بالاسم الذي هو عبارة عن المسمى - جل جلاله - وأن المسمى هو المقصود بذلك كله، ولو كان الاسم هو المسمى لما امتنع شيء من ذلك.
فإن قيل: كيف جاز (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ)
والمقصود بالذكر والتسبيح هو الرب تبارك وتعالى، لا اللفظ الدال عليه؟.
قلنا: هذا سؤال قد كع عنه أكثر المحصلين، ونكتة عجز عنها أكثر
المتأولين، وقد أجاب عنها أبو حامد في كتابه (المقصد الأسنى) بجواب غير شاف ولا كاف، فقال: إنما تعلق التسبيح والذكر بالاسم، وإن كان غير المسمى، لأن التعظيم والتنزيه إذا وجب للمعظم، فقد تعظم ما هو من سببه لأجله، كما يقال: " السلام على حضرة الملك " ونحو هذا من الكلام، وهو - رحمه الله - وإن كان من أهل التحقيق، فقد غابت عنه نكته المسألة وبالله التوفيق وإنما ضعف جوابه - رحمه الله من وجهين: -
أحدهما: ما تقدم من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤثر عنه، ولا عن أحد من المقتدين به أنه قال في تسبيحه: سبحان اسم ربي، فدل ذلك على أنهم لم يعتقدوا ما قال من أن التسبيح في قوله تعالى:
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) متعلق بالاسم، بل المقصود به المسمى، والاسم مذكور لحكمة أخرى.