بما وراءه وهو في هذا الحال؟ أعني مصدقاً لما معهم، كما تقول: لا تشتم زيداً وهو أمير محسناً إليك فالجملة حال، " ومحسناً " حال بعدها، والحكمة في تقديم الجملة التي في موضع الحال على قولك " محسناً " و (مصدقا) - أنك لو أخرتها لتوهم أنها في موضع الحال من الضمير الذي في " محسن، و (مصدق) ، ألا ترى أنك لو قلت:

" أتشتم زيداً محسناً إليك (وهو أمير) - لذهب الوهم إلى أنك تريد؟

محسناً إليك في هذه الحال.

فلما قدمتها اتضح المراد وارتفع اللبس.

هذا وجه لا يبعد في هذا الموضع.

ووجه آخر يطرد في هذه الآية، وفي الأخرى التي في سورة فاطر، قوله:

(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) ، وهو أن يكون

(مُصَدِّقًا) ههنا حالاً يعمل فيها ما دلت عليه الإشارة المنبئة عنها

" الألف واللام "، لأن " الألف واللام " قد تنبئ عما تنبئ عنه أسماء الإشارة، حكي سيبويه: " لمن الدار مفتوحاً بابها؟ ".

(فقولك: مفتوحاً بابها) لا يعمل فيه الاستقرار الذي يتلق به " لمن "، لأن

ذلك خلاف المعنى المقصود، وتصحيح المعنى:

" لمن هذه الدار مفتوحا بابها؟ "

فاستغنى بذكر " الألف واللام " وعلم المخاطب أنه مشير وتنبه المخاطب بالإشارة إلى النظر، وصار ذلك المعنى المنبه عليه عاملاً في الحال.

وكذلك قوله تعالى: (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا) ، كأنه يقول: " هو ذلك الحق "، لأن الحق قديم ومعروف بالعقول والكتب المتقدمة.

فلما أشار نبهت الإشارة على العامل في الحال، كما إذا قلت:

" هذا زيد قائما "، نبهت الإشارة المخاطب على النظر، فكأنك قلت:

" انظر إلى زيد قائماً " لأن الاسم الذي هو " ذا " ليس هو العامل، ولكنه مشعر ومنبه على المعنى العامل في الحال، وذلك المعنى هو " انظر ".

وسنزيد هذا المعنى وضوحا فيما بعد إن شاء الله تعالى.

ومما أغنت فيه " الألف واللام " عن أسماء الإشارة قولهم: " اليوم قمت "،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015