فالمبتدع إذا لم تتوفر فيه صفات القبول فلا شك أن روايته ترد، كالمبتدع الذي كفر ببدعته وتأكد خروجه عن الإسلام. قال ابن الصلاح: (اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر ببدعته) (?) وهذا يعني أن الذي كفر ببدعته فليس في محل خلاف. وقال ابن كثير: المبتدع إن كفر ببدعته فلا إشكال في رد روايته (?). وقال ابن حجر: لا يقبل صاحبها الجمهور (?). وقال المعلمي: لا شبه أن المبتدع إن خرج ببدعته عن الإسلام لم تقبل روايته لأن من شرط قبول الرواية الإسلام (?). حتى حكى النووي الإجماع على أن روايته لا تقبل. وتعقبه السيوطي فقال: قيل دعوى الاتفاق ممنوعة فقد قيل أنه يقبل مطلقاً وقيل إن اعتقد حرمة الكذب (?).

وقال ابن حجر بعد ذكر القولين: (والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف. فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه. فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه من روعه وتقواه فلا مانع من قبوله (?).

وكذلك المبتدع الذي يستحل الكذب ولا تقبل روايته أبداً. قال أحمد شاكر: (وهذا القيد -أعني عدم استحلال- الكذب- لا أرى داعياً له، لأنه قيد معروف بالضرورة في كل راوٍ، فإنا لا نقبل رواية الراوي الذي يعرف عنه الكذب مرة واحدة فأولى أن نرد رواية من يستحل الكذب أو شهادة الزور) (?).

فأما إذا توفرت فيه صفات القبول فما الحكم؟ الذي يظهر لي من خلال الأقوال المذكورة أن الجمهور قد اتفقوا على أن رواية المبتدع -إن لم يكن داعياً إلى بدعته- تقبل (?).

وانفرد الجوزجاني وابن قتيبة فاشترط شرطاً آخر، وهو أن لا يكون في روايته- أي المبتدع حتى غير الداعية- ما يؤيد بدعته. قال الجوزجاني: (ومنهم زائغ عن الحق -أي عن السنة- صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً إذا لم تقو به بدعته) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015