¤طه محمد نجا رمضان£بدون¥دار الكيان - الرياض¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أصول السنة
الخاتمة
لم يكن من خطة هذه الدراسة أن توعب كل ما يتعلق بموقف الإمام الطبري من مسائل أصول الدين، من شاذة وفاذة، وما أخال مثل ذلك المطلب، إن طلبه أحد، في طوق صاحبها، وحسبها من ذلك أن حاولت عرض منهجه بصفة عامة، مع عرض أهم مسائل أصول الدين التي أتاح لنا ما تبقى من تراث الطبري درسها.
ولقد كان أهم ما هدفت إليه هذه الدراسة أن تبرز – بمجموعها – صلة الإمام الطبري بالبحث الكلامي بصفة عامة، تلك الصلة التي غمز في وثاقتها الأستاذ أحمد أمين، ورأى أن تفسيره "إن كان ينقصه شيء فهو أنه لم يتعرض كثيرا لأقوال المتكلمين في عصره، وخاصة المعتزلة، لأن ثقافته كانت دينية ولغوية وتاريخية، ولم ينغمر في تيار المتكلمين، وما جاء فيه من تعرض لمسائل القدر ونحوها، فقد أتاه على ما يظهر من طريق المحدثين .. ".
وإزاء ذلك نشير إلى أمور:
أولا: كتب الطبري رسالتين في "أصول الدين" هما: "صريح السنة"، التي عرفت بأنها عقيدته، والأخرى "التبصير" التي أجاب بها أهل بلده "آمل طبرستان"، فيما اختلف فيه من قضايا التوحيد والعدل، وما نجم بينهم من البدع الكلامية.
ثانيا: تنوعت طرق عرض ابن جرير للمسائل الكلامية في تفسيره وفي غيره من كتبه، فإما شرح معنى الآية، وكان شرحه ذلك تقريرا لرأيه، دون تعريج على ذكر الخلاف، وإما أشار إلى عدد من قضايا الخلاف، ثم قرر رأيه بدليله السمعي دون ذكر – أيضا – لآراء المخالفين، وهو منهجه العام في "صريح السنة"، وإما عرض لذكر الخلاف، ونقل أقوال المخالفين مع أدلتهم أحيانا ثم ذكر ما يختاره، مع ذكر دليله السمعي والعقلي، وهو منهجه العام في رسالة "التبصير".
ثالثا: فيما يخص المباحث الكلامية وأقوال المتكلمين في تفسيره، فقد أشرنا إلى منهجه في تقرير رأيه عند تفسير الآيات التي يعرض لها، مع أنه قد نقل في عدة مواضع خلاف المتكلمين الذين يسميهم "أهل البحث" أو "أهل الحدل"، وفي بعض هذه المواضع ينقل الخلاف فقط، دون التصريح بما يختاره، وفي بعضها يصرح برأيه، ويتوسع في الاستدلال لما يراه، والرد على حجج مخالفه. وقد كان المعتزلة هم أهم من يعنى ابن جرير بالرد عليهم، إلا أنه يسميهم – شأن أكثر المتقدمين -: "القدرية"، وقد وقفت على التصريح باسم "المعتزلة" مرة واحدة في رسالة "التبصير".
رابعا: لا يلزم من عدم ذكره لخلاف المتكلمين، أو عدم الإكثار منه، أن ذلك خارج عن "ثقافته". على حد تعبير الأستاذ أحمد أمين؛ فالثقافة الدينية لم تكن تعرف الفصل الحاسم بين فروع العلم، خاصة في حق شخص كالطبري قيل فيه: إنه جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره.
خامسا: ليس لدينا ما يظهر اعتماد الطبري على المحدثين، دون أن يكون له اطلاع مباشر على المقالات الكلامية التي ينقلها، ويضعف ذلك الاستظهار أيضا تفرده بنقل أمور لم نرها عند غيره؛ كالذي نقله من استدلال القائلين بالحاسة السادسة في الرؤية.
وفيما عدا ذلك المقصد العام للدراسة، فقد حاولت مباحثها المختلفة إبراز عدة أمور تتعلق بآراء الطبري ومنهجه، ولعل أهمها ما يلي:
الأول: إبراز التنديد الذي أدخل على علاقة الطبري بالحنابلة، أو بصورة أدق على موقفه من الإمام أحمد.
الثاني: بيان حقيقة تهمة التشيع التي ألصقت بالطبري، وأنه مخالف في منهجه وآرائه للشيعة عموما، والرافضة خصوصا.
الثالث: بيان اعتماد الطبري على كل من الدليلين السمعي والعقلي في "مسائل أصول الدين"، مع عرض أهم القواعد والضوابط التي بنى عليها ابن جرير فهمه للنص الشرعي، الذي هو الأصل الأول والأهم لآرائه، وأن ابن جرير يتمسك بظاهر النصوص – كما يفهمه السلف – مع الإشارة إلى ما رأيناه مخالفا لمنهجه العام، وأصوله التي اعتمدها.
الرابع: اتفاق الطبري في منهجه وآرائه مع منهج أهل السنة وعلماء الحديث الذين يعد الطبري أحد رجالهم، مع محاولة تتبع بعض أفكاره عند غيره من علماء السنة، خصوصا سابقيه ومعاصريه.
الخامس: لم يمنع ذلك الاتفاق بين منهج الطبري ومنهج أهل الحديث، وجود بعض الآراء التي تخالف – فيما بدا لنا – ما عرفناه من آراء أهل السنة غيره، كالقول بوجوب النظر، وعدم عذر الجاهل والمخطئ في قضايا التوحيد والعدل.
وبعد، فتلك أهم القضايا التي حاولت هذه الدراسة إبرازها، ولا يزال تراث الطبري مجالا خصبا للعديد من الدراسات من زوايا مختلفة، وخاصة جهوده الحديثية التي لا تزال – على عظمها – بكرا، لم تطرقها دراسة متخصصة، فيما أعلم.
والله أسأل أن يوفقني فيما قصدت، وأن يسبغ علي فضله وإحسانه فيما أحسنت، ويغمرني بعفوه وغفرانه فيما أسألت أو زللت.
والحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.