المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للزمخشري في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنير (620 - 683هـ)

¤صالح بن غرم الله الغامدي£بدون¥دار الأندلس¨الأولى¢1418هـ€تفسير¶معتزلة

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلى وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:

فإنه يطيب لي وقد أزف هذا البحث على التمام أن أذكر جملة من النتائج التي توصلت إليها من خلال مباحثه التي اشتملت عليها خطته، فأقول مستعيناً بالله عز وجل:

1 - ترجع أهمية هذا البحث إلى كونه يصلح خللاً اعتور كتابين من كتب التراث لهما أهميتهما ومكانتهما، هما كتاب (الكشاف للزمخشري) وكتاب (الانتصاف لابن المنير) ولكون الخلل فيهما يمس الجانب الأهم من جوانب الفكر الإسلامي، وهو جانب العقيدة، فقد كانت الحاجة إلى ذلك الإصلاح ماسة، سيما وأنه يقدم خدمة للكتابين تؤدي إلى الاستفادة منهما مع الأمن من غوائلهما.

2 - إن الرد على أهل البدع وإبطال مقالاتهم التي خالفوا فيها الحق، سوء أكان ذلك باللسان أم بالقلم سنة درج عليها أهل الحق من سلف الأمة وأئمتها وتناقلوها جيلاً بعد جيل، وأخذها المتأخر منهم عن المتقدم، وقد شكلوا بذلك حاجزاً منيعاً أمام البدع والمبتدعين، كي يبقى دين الأمة سالماً نقياً من أوضار البدعة وأدناسها.

3 - كتاب الكشاف للزمخشري يعد ممثلاً لمذهب المعتزلة، إذ هو تعبير عن عقائدهم من خلال تفسير آيات القرآن، ولكون الزمخشري مؤلف الكتاب يتمتع بمقدرة فائقة على دس أفكاره في ثنايا كلامه بما أوتي من براعة في تصريف الكلمات وتنميق العبارات، مع إجادة لفن المراوغة، فقد سخر كل ذلك لخدمة معتقده الاعتزالي بإبراز الأوجه الدالة عليه من أدلة القرآن وصرف ما يتعارض معه عن ظاهره بأساليب شتى يغلب على كثير منها الابطال والتكيف.

وفي المقابل فقد جعل ابن المنير كتابه الانتصاف ممثلاً لمذهب الأشاعرة، إذ أنه وكما ذكر في سبب تأليفه إنما دعاه إلى ذلك ما أرى من كلام الزمخشري في كشافه من تجن على الأشاعرة، وسوء أدبه معهم على حسب قوله، فأراد أن يأخذ بحقهم ويثأر لهم منه.

وعلى كل فابن المنير سلك الطريقة ذاتها التي سلكها الزمخشري في الانتصار لمذهبه، فهو يبرز الآيات التي يرى أنها مؤيدة لمذهبه ويعمل جهده في صرف ما يخالفه عن ظاهره. وقد مثل هذا تناقضاً ظاهراً في كلام ابن المنير في كثير من الأحيان، فبينما ينعى على الزمخشري هذا المسلك إذ به يعتمده في التعامل مع الأدلة التي لا توافق ما هو متقرر في مذهبه.

4 - على الرغم مما اشتمل عليه الكتابان (الكشاف، والانتصاف) من عقائد باطلة وأفكار فاسدة فإنهما مع كل ذلك لا يخلوان من مباحث مهمة ونكات حسنة وفوائد جمة، سواء أكان ذلك في التفسير أم علوم القرآن أم الفقه أم اللغة أم البلاغة، فإن الزمخشري ذا قدم راسخة وقلم سيال في علم اللغة والبيان، وهو فيها الفارس الذي لا يبارى ومباحثه في هذا الجانب إذا جردت مما يشوبها من مكنونات الاعتزال فهي مباحث جيدة ونكات لطيفة قد لا يعثر عليها طالب العلم في غيره من الكتب. وابن المنير لا يقل عنه رسوخاً في هذا المجال، فله من التحقيقات المتعمقة والتنبيهات اللطيفة في العلوم المذكورة آنفاً، ما يدل على رسوخه وإمامته في تلك العلوم، يظهر ذلك جلياً للمتتبع لتعقيباته وتنبيهاته التي ضمنها كتابه الانتصاف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015