وفي القضايا الاجتماعية وما يكون بين الأسر والأفراد أمور تحتاج إلى عناية ورعاية، ولذلك فقد كان للعهد والميثاق أثر فعال في حسن النظر ومراعاة هذا الجانب المهم في حياة الناس، والتساهل أو التهاون في ما يتعلق بحياة الناس الخاصة وأمور أسرهم يؤدي إلى فساد المجتمعات ومن ثمَّ دمار الدول، ولذلك فقد جاءت آيات كثيرة تبيّن للناس النمط السوي في محيط القضايا الاجتماعية والحياة الأسرية، وحذرت من أي خلل أو تصدع في هذا الكيان، مؤكدة ذلك بالعهود والمواثيق صيانة وحماية للأمة أفراداً وجماعات.
ما أروع هذا الدين وما أشمله وأكمله، كم يحس المسلم بسعادة وهناء وهو يرى مدى اهتمام الإسلام بأخص شؤونه وأدقها، بل ويؤخذ عليه العهد والميثاق ضمانة لاستمرار سعادته، وحماية له من الشقاء والعناء.
ز- لا حياة للأمة بدون الجهاد في سبيل الله، وأي أمة تدع الجهاد أمة تعيش الذل بأبشع صوره، الجهاد يحمي الدين والنفس والعرض والنسل، والمال، ويحمي البلاد والعباد.
الأمة المجاهدة لها العزة والرفعة والمنعة ولهذا فقد جاء العهد والميثاق في مجال الجهاد في سبيل الله ليرتفع بالبشرية عن مهاوي الردى ونوازع الهوى، ناعياً عليه التثاقل في الأرض أو الركون إلى شهواتها وملذاتها، وليطلب الموت من أراد أن توهب له الحياة، ومن وفَّى ببيعه وفَّى الله له عهده (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ) (التوبة: 111).
15 - لا خلاف ولا نزاع في وجوب الوفاء بالعهد والميثاق، وآيات الكتاب وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم صريحة بذلك، كما هي صريحة بحرمة نقض الميثاق أو الإخلال بالعهد، وتوعّد الله بأقسى العقوبات للناقضين عهودهم ومواثيقهم، وصريح المعقول يوافق صحيح المنقول على وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق.
16 - الوفاء بالعهد والالتزام بالميثاق صفات كرام الرجال وخيارهم، والآثار الحسنة التي تعود على الموفين بعهودهم ومواثيقهم لا تعدَّ ولا تحصى، منها الآثار التي يجنونها في الدنيا، وأعظم منها ما يحصل لهم في الآخرة، وإذا عظم المطلب فالجزاء أعظم.
إن من أعظم الآثار نعمة الإيمان، ولا يعرف قدر الإسلام إلا من عرف الكفر ومآسيه (?).
والتقوى ومحبة الله للمتقين جزاء من ربك عطاءً حساباً للملتزمين بعهودهم المحافظين عليها.
الأمن في الأوطان مطلب عزَّ مناله، لكنه حاصل لمن عرفوا قدر المواثيق وراعوا حقها، فلهم الأمن والحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم، وفي الآخرة يكفر الله عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنات، ما أعظم هذه الآثار وأزكاها، وما أجدر بالبشرية الحائرة أن تنشد السعادة من معينها فقد طال شقاؤها. في الإسلام تجد الطمأنينة وفي ظلال الإيمان تعيش الحياة الوارفة، تصون دماءها وتحمي ذمارها، هذه في الدنيا، أمَّا في الآخرة فرب كريم، ونزل عظيم، وحياة أبدية في جنات النعيم.
17 - آثار نقض العهد والميثاق مدمرة ومفجعة، بعضها عاجل وبعضها آجل، شيءٌ منها يحلّ بالفرد وآخر يلحق بالأمة، جزاء وفاقاً.
الكفر صفة للناقضين عهودهم، والفسق ديدنهم، والخسران نهايتهم، واللعن في انتظارهم، قلوبهم قاسية قد طبع الله عليها، فأغروا بالعداوة والبغضاء إلى يوم القيامة.
حرمت عليهم الطيبات في الدنيا، والنار مصيرهم في الآخرة.
القتل والتشريد جزاؤهم لقاء غدرهم وخيانتهم وضلالهم عن سواء السبيل.
يعيشون في الدنيا بخزيٍ أبدي، وفي الآخرة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم.