9 - بايع رسول الله صلى الله عله وسلم _ صحابته _ وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على السلام، وبايع النساء بيعة خاصة.
كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وآخرون على السمع والطاعة.
وبايع بعضهم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
هذه هي أهمّ المبايعات والعهود التي أخذها صلى الله عليه وسلم على صحابته، بعضها عام، وبعضها خاص.
ومما يجدر التنبيه إليه هنا ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب مادحاً أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنياً عليهم: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
نعم لقد وفَّى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة والغدر من سماتهم وأبرز سجاياهم وطباعهم.
لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته فينزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله؛ لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألاَّ يسأل الناس شيئاً أعطوه أو منعوه (?).
هذه هي الطاعة وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل على مدارج الرقي وسموّ الأخلاق، لقد كان جيلاً قرآنياً فذّاً، لم تعرف البشرية جيلاً كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ) (الأنعام: 90)، (وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (الزمر: 18). 10 - عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة عهود مع اليهود، أبرزها عندما قدم المدينة، ومن آخرها ما كان في خيبر:
ولكن اليهود هم اليهود، لا يستقيم لهم عهد، ولا يبقى معهم ميثاق، وكما غدروا بنبيهم موسى -عليه السلام- فقد خانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعرف على مدار التاريخ أن اليهود وفوا بعهد أو حافظوا على ميثاق وبخاصة إذا أتتهم الفرصة للنقض فلا يدعونها تمر أبداً، وما يعرف من يسير وفائهم (?)، فسببه ضعفهم وعجزهم وقوة خصمهم، وحيث لم تسنح لهم فرصة للغدر والخيانة. وأكرر وأؤكد في هذه الدراسة أننا بأمسّ الحاجة إلى معرفة طبائع اليهود وسوء طويتهم، فهذا دين لا نعذر بجهله أو التفريط فيه، لما يترتب على الجهل من مفاسد عظيمة، وخسائر جسيمة، في الدين والعرض والمال.
11 - تبين لنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبرم عدة عهود مع المشركين، كان أبرزها وأهمها ما تم بين المسلمين وبين قريش في غزوة الحديبية، كما أنه عقد عدة معاهدات مع غيرهم كخزامة ومدلج وقبائل بني بكر، وهذه العهود هي التي أشار إليها القرآن في سورة التوبة، كما أشار إليها في سورة النساء، مما سبق بيانه.
وقد اتضح أنَّ بعض المشركين وفَّى بعهده وميثاقه وبعضهم خان الله ورسوله فلقي جزاءه.
12 - كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة كتب لبعض قبائل المسلمين، وقبائل أخرى من العرب غير المسلمين، كما كتب لبعض اليهود وبعض النصارى، وقد تضمنت هذه الكتب بعض العهود والمواثيق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأولئك، مما يعطي دلالة على استقرار الدولة المسلمة وقوتها، حتى إن القبائل أصبحت تخطب ودَّها والأمان منها، بل والحماية ضد أعدائها، وهذا أثر فعَّال للعهود والمواثيق، إذا سادت بين الدول والمجتمعات -وتم الوفاء بها- حلَّ الوئام والسلام، بدل الحرب والخصام.