وقد أبرزت الدراسة من خلال مواقف بعض كبار شخصيات أهل المدينة من خلع يزيد، ورفضهم لذلك، من أمثال ابن عمر، ومحمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين، على أن موجبات خلع يزيد لم تتحقق، وكان في رف أهل المدينة لمناقشة ابن عمر ومحمد بن الحنفية بشأن خلع يزيد بن معاوية ما يؤكد الدوافع المسبقة للمدينيين، والمتضامنة مع ابن الزبير في رفضهم لخلافة يزيد خصوصاً، وللبيت الأموي عموماً.

كما توصلت الدراسة إلى بيان تهافت الروايات التي زعمت بوقوع حالات اغتصاب كبيرة للنساء المدنيات، وذلك حينما أخضعت تلك الروايات للدراسة النقدية والتحليلية، والمنهج العلمي المتجرد من الميول على قدر الطاقة، والاستطاعة.

رابعاً: معارضة ابن الزبير -رضي الله عنه- وحصاره بالحرم المكي:

نظراً لأن الصراع بين ابن الزبير ويزيد بن معاوية لم يأخذ الصفة العسكرية إلا في أواخر أيام يزيد بن معاوية، فإن الفترة التي عالجها البحث في ذلك الإطار تتميز بالاقتضاب إذا ما قورنت بالفترة التي استعرضت معارضة الحسين رضي الله عنه أو حركة أهل المدينة، ولكن مع ذلك فقد توصلت الدراسة إلى بعض النتائج المهمة مثل:

رغبة يزيد بن معاوية في تجنب حرب ابن الزبير، ويبدو ذلك واضحاً من خلال الرسائل والوفود الذين وسَّطهم يزيد عند ابن الزبير ليتخلى عن معارضته.

ومن النتائج المهمة: هو أن حصار ابن الزبير -رضي الله عنه- في داخل الحرم، ورمي أهل الشام له بالمنجنيق لا يقصد بذلك إهانة البيت، بقدر ما يقصد ابن الزبير ومن معه من المعارضين للخليفة.

وكذلك فإن احتراق الكعبة -سواءً كان هذا الاحتراق جاء بسبب الشاميين أو بسبب أتباع ابن الزبير، أو حتى ابن الزبير نفسه- لم يكن مقصوداً به الكعبة ذاتها، وذلك لأن لها المنزلة العظيمة في نفوس كلا الفريقين.

ولابد من كلمةٍ أخيرةٍ حول يزيد بن معاوية والمعارضين له.

فنقول أن يزيد لم تستقر له الأمور مدة خلافته حتى يمكن لنا من خلال تلك الفترة أن نحكم على مدى صلاحه لرئاسة الدولة وخلافة الأمة.

فقد جوبه يزيد بالمعارضة من أول يوم تسلَّم فيه منصب الخلافة، ثم إن الذين عارضوه يمثلون أفضل عصرهم -الحسين بن علي، وابن الزبير رضي الله عنهم- فمهما كان يزيد على جانبٍ من الحق فإن الشعور بتخطئته سيكون هو المسيطر على غالبية الناس وذلك لمكانة المعارضين.

ثم إن الظروف السياسية التي كانت سائدةً في ذلك العصر، هي التي مهَّدت السبيل إلى افتعال الكثيرِ من الاتهامات الموجهةِ ضد يزيد.

ويبدو أن يزيد كان ميالاً إلى السلم، ويرغب في عدم تصعيد المواجهة مع معارضيه، ولما لم يجد بُداً من المواجهة لجأ إلا استخدام القوة التي صاحبها الكثير من العنف.

لقد كان يزيد بين ثلاثة خيارات:

1 - التنازل عن الخلافة نزولاً عند رغبة المعارضة.

2 - السكوت عن انفصال بعض الأقاليم المهمة عن الدولة.

3 - القضاء على المعارضين والحفاظ على هيبة الدولة ووحدتها.

إن لجوء المعارضة إلى السيف جعل يزيد في موقعِ المدافع الخائف على سلطانه ونفسه.

وقد لازم هذا الشعور كل الخلفاء فيما بعد، فإما أن يقضي الخليفة على عدوه الذي يمثل المعارضة، وإما أن يقضي عدوه عليه. أي المعارضة.

لقد فقدت المعارضة روح التفاهم مع السلطة الحاكمة، منذ فجر التاريخ الإسلامي، وكانت تلجأ إلى السيف كوسيلة للاحتكام، والسلطة تلجأ إلى السيف كردة فعل إزاء المعارضة، والغلبة -في الغالب- لصالح السلطة وذلك بسبب إمكانياتها الكبيرة.

ولقد أفضى انتصار السلطة وبطشها بالمعارضين إلى نزعة الاستبداد التي هيمنت على كثيرٍ من خلفاء المسلمين، وحكامهم على مدى فترات التاريخ الإسلامي، وإلى ابتعاد الشخصيات التي يمكن الاستفادة منها عن مواطن اتخاذ القرار، فهؤلاء المعارضون لا يرون أملاً في صلاح الحاكم، والحاكم لا يأبه بالمعارضين لتفوقه الساحق عليهم.

الأمر الذي أوجد خللاً في نظام حكم بعض الدول الإسلامية، وانعدمت روح الشورى، وروح التناصح، والرغبة في مصلحة الأمة، وذلك وفق الضوابط الشرعية المفضية إلى سعادة الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015