برهن هذا الكتاب على تعدد الأجناس في المجتمع الحجازي، واختلفت تركيبته السكانية بسبب مركزه الديني في نفوس المسلمين، حيث شكل المجاورون بأجناسهم المختلفة نسبة كبيرة.

وبسبب اختلاف التركيبة السكانية في الحجاز ومكانته الدينية أظهر الكتاب عادات وتقاليد وافدة مع هؤلاء الأجناس انفرد بها عن سائر الأقطار الإسلامية.

انفرد بعض الرحالة المغاربة برصد الحياة الاجتماعية في الحجاز وخاصة لمن طالت مجاورته، وهذه الناحية هي التي أغفلها كثير من المؤرخين كما أوضح ذلك هذا الكتاب.

عاش أهل المدينة المنورة حياة مترفة في حين يتعود أهل مكة المكرمة على مثل ذلك.

تميزت الحياة الاجتماعية في المدينة المنورة بتفوق نفوذ المرأة على الرجل وتحكمها فيه مقارنة بالمناطق الأخرى في الحجاز.

الجانب السياسي:

ثبت أن الاضطراب السياسي قد عم الحجاز داخلياً في بعض الأزمنة التي يتناولها البحث بسبب تصارع الأمراء الأشراف فيما بينهم على الإمارة، كما تصارع الأمراء الأشراف مع أمراء الحج وباشوات جدة لإحكام السيطرة.

اكتفت الدولة العثمانية خلال تلك المدة بعزل الأمراء الأشراف عند تفاقم الاضطرابات وتعيين غيرهم من الأسرة نفسها.

كان لباشوات جدة ومصر اليد الطولى في تسيير أمور الحجاز وكذلك أمراء الحج حتى كان بإمكانهم عزل الأمراء الأشراف وتعيينهم؛ وهو ما سبب كثيراً من الفوضى والاضطرابات السياسية أحياناً.

ربطت الحجاز رسمياً بالدولة العثمانية وأصبحت إقليماً تابعاً لها يضم مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وينبع والطائف، وإن كان إقليم الحجاز يتمتع بمميزات لا تتمتع بها سائر أقاليم الدولة العثمانية.

ارتبط الأمن والهدوء في الحجاز بقوة شخصية الشريف الحاكم ومدى سيطرته على الأوضاع وشؤون القبائل.

كان مبدأ الاشتراك في تولية شؤون الإمارة في الحجاز قائماً بدلاً عن ولاية العهد خلال تلك المدة، وكان الشريك مخولاً للبت في الأمور وأخذ حصة من واردات الإمارة الاقتصادية.

كان جنوب الحجاز هو المنفى الاختياري للأمراء الثائرين المطالبين بالإمرة بعد فشل توراثهم، يقصدونها إما لتجميع قوتهم ومن ثم العودة لمحاولة الاستيلاء على الإمارة، ويكون ذلك بقطع الطريق وفرض الحصار الاقتصادي الذي يتضرر منه أهل الحجاز ومجاوروه.

وأوضح هذا الكتاب أنه في وقت المواسم كانت القوانين والأحكام لا تطبق بدقة، وذلك يؤدي إلى انتشار حالات السرقة وضعف الأمن خلال الحج والعمرة، ولكن الأوضاع تعود إلى ما كانت عليه بعد رحيل الحجاج.

وأيضاً كان اهتمام الحراس بالشريف سبباً في إهمال المرافق العامة في المشاعر المقدسة والمباني التي يسكنها الحجاج وطرق القوافل، الأمر الذي يزيد في ضعف الأمن والأمان لضيوف الرحمن.

ورأينا أن الدولة العثمانية كانت تولي الحجاز عناية خاصة فحصنت الثغور المحيطة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وكانت هناك عناية خاصة بمدينة جدة التي قد تتعرض لهجوم خارجي.

الجانب الاقتصادي:

برهن هذا الكتاب في هذا الجانب أن استمرارية وصول الأعطيات والصدقات وهطول الأمطار يعقبه رخاء اقتصادي عميم مع هبوط في الأسعار وتوافر السلع والحاجات والعكس صحيح.

وأيضاً إتقان أهل الحجاز مهناً عديدة منها الصياغة والزراعة والبناء.

وأيضاً وجود جالية مغربية أتقنت مزاولة الزراعة، بل وألفوا فيها الكتب، ما أدى إلى امتلاكهم للأراضي واستصلاحها، خاصة في المدينة المنورة التي عرفت بخصوبة تربتها وكثرة مياهها.

وجد من أمراء مكة المكرمة الأشراف من التفت إلى الإصلاح الذي يخدم عموم الحجاج كإنشاء الأسبلة وحفر الآبار وامتلاك المزارع التي تمد المدينتين بالمنتجات الزراعية، وكذلك بناء الحصون والقلاع للحراسة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015